هاجسه تجسيد التراث والحضارة الأوغاريتية وربطها بالحاضر والواقع السوري عبر أعماله الفنية التي جالت العالم، فأبحر في عالم النحت ليبعث رؤيته الفنية التي تهدف إلى نشر السلام والحب والحياة، نقل من خلالها رسالته إلى العالم أجمع التي تقول "سورية مهد الحضارة".

مدونة وطن "eSyria" تواصلت الفنان "حسن حلبي" بتاريخ 5 كانون الأول 2017، وفي بداية حديثه يقول: «الفن هو انعكاس للواقع بكل مكوناته الإنسانية، فهو التعبير الجمالي عن الواقع، والعلم الذي يخدم المجتمع ويعبر عن ثقافته وعراقته وتطوره عبر الزمن».

الفن هو انعكاس للواقع بكل مكوناته الإنسانية، فهو التعبير الجمالي عن الواقع، والعلم الذي يخدم المجتمع ويعبر عن ثقافته وعراقته وتطوره عبر الزمن

وتحدث عن مسيرته الفنية بالقول: «منذ الصغر والفن يستهويني، ففي البداية بدأت بتجارب نقل اللوحة، وكنت أشتغل على ما تقع عيناي عليه، وتطورت موهبتي بمراحلي الدراسية وأصبحت أكثر نضجاً ووعياً، وقد لاحظ مدرّسو الفنون موهبتي وشجعوني على تطويرها، فبدأت القراءة ومتابعة أعمال الفنانين والنشاطات المكثفة، ودرست في معهد الفنون التشكيلية في "اللاذقية". وخلال مراحلي الدراسية شاركت بأول معرض جماعي عام 1975 بعدة لوحات مائية، إضافة إلى أن البيئة الساحلية التي نشأت فيها كان لها أثر كبير انعكس على منحوتاتي وأعمالي الفنية، فهذا الحضور الدائم بين أحضان الطبيعة قدّم لي القدرة على التعاطي مع كتل الأخشاب بأنواعها وأشكالها المختلفة، وخصوصاً خشب الزيتون لكونه متوافراً بكثرة في الساحل، فقد كنت أتخيّل قطع الخشب على أنها أشكال ومجسمات لمكونات الطبيعة، وأحاول بكل الطرائق تحويل هذه الكتل الخشبية بكسر بعض حوافها لتصبح مجسّماً فنياً تشكلت صورته مسبقاً في ذاكرتي، أضف إلى ذلك أن الطبيعة هي الأكثر تأثيراً في خيال النحّات؛ فهي تغني رؤيته وخياله للبحث عن التكوين المختبئ في القطع الخشبية الموجودة فيها، لإظهاره بطريقة فنية ومبتكرة».

منحوتة خشبية

ويضيف: «لكل فنان ثقافته وخبرته الخاصة التي يعمل على إغنائها وتطويرها من خلال اطلاعه على ثقافة الآخرين ونشاطهم وحضارة بلدانهم وحضارات الدول الأخرى، كما أنه لا بد للفنان أن يطلع على كل المدارس الفنية سواء التجريدية أو الواقعية أو التكعيبية، وعليه ألا يبقى ثابتاً في شيء معين، فمن خلال أعمالي الفنية أبحث دائماً عن الجديد والمختلف، وأجسد العراقة بمنحوتاتي، وأعدّ نفسي إنساناً قديماً متجسداً بالحاضر والمستقبل، فالحضارات القديمة هي التي تجذبني، وخصوصاً حضارة "أوغاريت" بما تحمله من خبرات ثقافية وحضارية تناقلتها الأجيال عبر الزمن، فالفن نتاج من ماضٍ يعكس الحاضر، ونظرة إلى المستقبل، أضف إلى أن الهدف من أي عمل فني -بصرف النظر عن الأسلوب الذي نفذ فيه- هو القيمة الجمالية والتشكيلية التي يحققها من خلال التناغم والانسجام بين المرأة الحاضرة في معظم أعمالي والموسيقا الأوغاريتية والقضية المشتركة بينهما، ولحظة ولادة كل منهما المتزامنة مع الأخرى، فالنحت بالنسبة لي عملية خلق للعمل الفني، وعند تأليف تكوين نحتي أضع دراسة أولية للعمل النحتي وأبدأ العمل بها، ابتداء من (القاعدة، التكوين، الفراغ، وانتهاء بإنجاز العمل)، أضف إلى أنني عملت في كل أنواع الفنون، ووجدت نفسي في كل أعمالي سواء كانت رسماً أو نحتاً أو غرافيك، لكن أكثر شيء فضلته هو النحت؛ لكونه يشمل معظم جوانب الفن. وأحببت العمل كثيراً بالخشب لكونه كتلة حية، وخصوصاً خشب الزيتون لكونه متوافراً بكثرة في الساحل. والنحت أصبح هاجساً لدي، ولا أستطيع التوقف عنه لحظة».

ويتابع: «يجب على الفنان التنقل كل مدة إلى مادة أخرى غير التي يعمل عليها، ويستمر في التجريب إلى أن يستقر على ما يلائم روحه ويوافق شخصيته وميوله الفنية، فهناك أعمال فنية يخرجها الفنان بلحظة العمل ويضيف إليها، ومنها ما تكون فكرتها جاهزة، لذلك بدأت العمل بالنحاسيات وتعلمتها في مدينتي "الرقة" و"حلب"، وأحببت العمل فيها، وأخرجتها بطريقة فنية تشكيلية، علماً أنها مادة فنون تطبيقية، وهي مادة جامدة وباردة، ومن الصعب تحويلها إلى عمل فني بسهولة، لكنني قمت بتجسيد وتصوير أغاني "فيروز" التي نسمعها يومياً على النحاس، وأخرجت منها لوحات فنية جميلة، فلا بد أن يمر الفنان بكل التجارب والمدارس الفنية، حيث يكون رساماً ونحاتاً ومصوراً أيضاً، حتى يستقر على نوع فني يشبهه، فبهذا يكون أقوى، وتكون ثقافته أكبر، فبقدر ما تقرأ وترى أشياء بصرية من خلال السفر والشارع والطبيعة، تصبح رؤيتك الفنية أوسع وأغنى».

من لوحاته

وأكمل حديثه: «النحت فن عظيم، فهو البصمة التي يظهرها الفنان عبر منحوتاته بأفكار تراوده يعبر عنها بكل صدق وعفوية بطريقة تضفي على العمل الفني طابعاً من الجمال والتميز، وتحمل في طياتها رسالة ينقلها الفنان عبر أعماله باعتباره سفيراً لبلاده، فهو يعمل على التعريف بثقافة بلده ونشرها في مختلف بلدان العالم، كما أنه في الوقت نفسه ينهل من خبرة ومعارف وثقافة الطرف الآخر ويغتني منه بما يناسب فكره وعقله وفنه، وإغناء لوحته وإخراجها إلى النور بهدف إغناء الساحة الفنية وتقوية الذائقة البصرية عند الجمهور، ورسالتي تجسيد حضارة "أوغاريت" الموغلة في القدم منذ آلاف السنين، فمنها بزغت أول أبجدية في التاريخ تشع للعالم بأكمله».

قال الفنان التشكيلي" إياد حمادة" عنه: «فنان موهوب يعمل على منتوج أو مادة الخشب بطريقة فنية مبتكرة، فهو يستطلع العمل جيداً قبل البدء به، ويحدد بعض ملاحظاته قبل أن يخرج إزميله ليشذبها ويزيل الزوائد فيها، لينتج عملاً نحتياً بمنتهى الروعة، فمن خلال أعماله نجد أنه يأخذ النهج التعبيري أو الرمزي، وهو المسار الذي اتبعه منذ أن بدأ العمل، أضف إلى أن أعماله تميزت بأنها غزيرة الإنتاج وحاضرة للفكرة، فهو نصير المرأة، وفنان تستهويه الموسيقا، حتى إننا نجد في معظم منحوتاته رقصاً على أنغام موسيقية، ويأخذ منتوجه النحتي من خلال الفلكلور الذي هو جذره بالأرض، ويستطلع بعض التشكيلات الأوغاريتية القديمة، حيث دمج بين إحساسه وبين ما هو موغل في القدم، فهو فنان له ذاتية خاصة بأعماله، ويلعب على التناقضات أحياناً محاولاً أن يأخذ مواضيعه بشكل يظهر المادة وعكسها».

أعماله بالقهوة

يذكر أن النحات "حسن حلبي" من مواليد "اللاذقية" عام 1960، شارك بنحو خمسين معرضاً جماعياً في المراكز الثقافية بـ"سورية"، ومعرض "دمشق الدولي" جناح "فلسطين"، ومعرض جماعي "تحية إلى كوبا" عام 1995، وأقام العديد من المعارض في عدة دول، منها: "لبنان"، "فرنسا" و"إسبانيا"، وأعماله موزعة في العديد من الدول، مثل: "تركيا" و"أميركا"، و"فرنسا"، و"الإمارات"، و"روسيا"، و"الأردن"، و"اليمن"، و"إسبانيا".