لم يتعلّم "أحمد علاء الدين" النحت على الخشب وغيره في مدرسة أكاديميّة، غير أنه تمكّن بتعبه وجهده واهتمامه من التوصل إلى تقنيات متعددة سمحت له بتقديم منحوتة خشبية مختلفة.

قدّم الفنان معرضه الأول في المركز الثقافي بـ"اللاذقية" قبل شهر تقريباً، وترك صدى طيباً لدى كل من حضر معرضه، فقد استفاد من المادة النحتية بطرائق متعددة أوصلت رسالته التي أرادها بعد تأخير طويل في العرض، حيث ضم المعرض أكثر من خمسين منحوتة خشبية متعددة المواضيع ضمها عنوان واحد: "سورية الأم".

من مشروع أول ناجح يطمح بالعالمية في المعارض القادمة كجسور للتواصل مع الآخرين لنثبت للعالم الثاني قدرتنا على النهوض من هذا الحصار، وأننا كسوريين نصل إلى العالمية في أقسى الظروف

الفنان "أحمد علاء الدين" من مواليد "بسنادا"، 1964، ابن بيئة فنية مبدعة من رسم ونحت، تحدث إلى مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 25 تموز 2016، قائلاً: «بدأت النحت على خشب الزيتون منذ أكثر من ثلاثين عاماً، كانت أعمالاً صغيرة قدمتها كهدايا إلى الأصدقاء والمقربين، في ذاك الوقت كنت موظفاً، أما بعد تركي للوظيفة، فقد تفرغت بالكامل للعمل النحتي وحضور المعارض متابعة الحركة الفنية في هذا المجال، على مرّ السنين والخبرة استطعت إنجاز ما أريده وبدأت بالأعمال الكبيرة بتشجيع من زوجتي وأصدقائي، ثم بدأت التحضير تدريجياً لمعرضي الأول "سورية الأم" في المركز الثقافي بـ"اللاذقية"؛ الذي اكتمل بعد عامين ونصف العام من العمل عليه».

من أعماله

من فكرة التوسع الرهيب لغابات الإسمنت الطاغية على المساحات الخضراء استلهم فكرة النحت على خشب الزيتون، فهي شجرة مباركة دائمة الخضرة، يضيف الفنان "أحمد" متحدثاً عن آلية النحت قائلاً: «عملت على تكوين الخامات الجافة من الجذوع وإحيائها بعمل فني جديد، على الرغم من أن خشب الزيتون قاسٍ في العمل، لكن الإحساس في العمل معه يخلق روحاً متواصلة مع الطبيعة، راعيت مقاييس العمل، واستخدمت الأدوات البسيطة في النحت؛ "مشارط طبية، أزاميل خشبية"، ولا أعتمد المنشار الكهربائي ولا أرسم، أنفذ على أرض الواقع مباشرة من خيالي، فأقوم بتنعيم السطح بـ"البرداخ" البدائي، ثم أقوم بطلاء المنحوتة بزيت الزيتون لتعيد حياة خامة الزيتون وتظهر الرموز فيها حتى أدق الشعيرات، ثم أعرضها لأشعة الشمس وأستخدم "السلار"؛ وهو نوع من الدهان غير اللامع ليمنحها طبقة بلاستيكية، ويحفظ القطعة لوقت أطول».

يعمل الفنان على خامات جديدة، كخشب الحور والتوت ليدخل النحاس المعتق والألمنيوم في بعض منحوتاته لكن بـ"هارموني" جميل يجعلها تحفة بعيدة عن كونها شيئاً مستهلكاً، فأحيانا بعض الأفكار تتطلب إضافات لاكتمال الفكرة، يقول: «من مشروع أول ناجح يطمح بالعالمية في المعارض القادمة كجسور للتواصل مع الآخرين لنثبت للعالم الثاني قدرتنا على النهوض من هذا الحصار، وأننا كسوريين نصل إلى العالمية في أقسى الظروف».

النحات نزار علي بدر

تجاوز الفنان "أحمد" أخطاء في فن النحت بحكم عمله الفطري، يقول: «تلافيت الأخطاء على مستوى "التكنيك" في العمل من لصق للمنحوتة والأبعاد، أدخلت أفكاراً جديدة كطريقة القطب بأسلاك معدنية، ومؤخراً ركزت على الأعمال الكبيرة التي تترك أثراً بصرياً لدى المتلقي».

في زيارات متقطعة له واطلاعه على أعماله ومكان عمله في بيته المحافظ على النمط الحميمي البسيط مع الطبيعة، يتحدث الفنان النحات "نزار علي بدر" عن تجربة "أحمد"، فيقول: «من الصعب إيصال فكرة عمّا حصل ويحصل في "سورية" بمعرض أو بعمل أو عشرات الأعمال، فمن عناوين إنسانية عميقة، ومن واقع ومواضيع أزلية أبدية: (الرقص مع الموت، الملحمة، صرخة وطن، الجوع، دورة الحياة، سورية الأم، حالة فراغ)، وبسريالية تظهر وجوهاً كثيرة لموقف نفسي أو إنساني يظهر فنّه الفطري، ومن اعتماد "أحمد" على نفسه في تنفيذ أفكاره عانى كثيراً ونقل ما يجول بداخله من آلام وجسدها بطريقة لافتة، ولكونها تجربته الأولى هي تجربة بحاجة إلى إعادة صياغة المواضيع من خلال الإيحاءات التي نقصت من الكثير من أعماله؛ فهذا طبيعي؛ فالتجربة الأولى لأي فنان تكون ناقصة لكنها سترتقي بإبداع قادم؛ لأن "أحمد" يعمل دائماً؛ فهو ينحت على الخشب الذي يتحكم بالفنان بتقاطيعه وتجاويفه، وهنا يكمن إبداع النحات في الخروج بأفكار جديدة».

قيد العمل حالياً

لكل فنّ رسالته، يختم الفنان "علاء الدين" حديثه بالقول: «كنت وما زلت أحبّ أن يصل فني إلى كل الناس، فأنا لا أقدم فني للفنانين فقط، فالجيل الشاب المثقف الأقدر على حمل هوية الأعمال الحقيقية الخالدة، فرسالة الفن هي خلق الوعي الحضاري الإنساني عند الشعوب؛ وهذا ما أطمح بطرحه في معارضي القادمة».