فنان ينتمي إلى رسم الطفولة إلى درجة يقال عنه إنه طفل، يعتبر سيره في هذا الخط الفني خياراً شخصياً يدفعه نحوه ذاك الطفل الذي يسكن داخله ويتحمل المسؤولية عن خياراته الفنية.

تقول المهندسة المعمارية "ماريا بدور": إن أعماله من أجمل الأعمال التي قدمت عن الطفولة، وتضيف: «الفنان "نعمان عيسى" يرسم الطفل بأبعاد ثنائية، ويستخدم أسلوباً دافئاً في الألوان يأخذ المتلقي نحو البعد الرابع، في لوحاته قصص تعيدنا إلى طفولتنا حتى لو لم تلامس معاناتنا فيها، لقد استطاع أن يكون صاحب خط فني متميز في رسم الطفولة بإبداع».

الفنان "نعمان عيسى" يرسم الطفل بأبعاد ثنائية، ويستخدم أسلوباً دافئاً في الألوان يأخذ المتلقي نحو البعد الرابع، في لوحاته قصص تعيدنا إلى طفولتنا حتى لو لم تلامس معاناتنا فيها، لقد استطاع أن يكون صاحب خط فني متميز في رسم الطفولة بإبداع

الفنان "نعمان عيسى" حل ضيفاً على مدونة وطن "eSyria" في 5 نيسان 2014، فكان الحوار التالي:

"نعمان عيسى"

  • كيف اهتدت أناملك إلى الريشة؟
  • ** لا أعرف بالضبط الفترة الزمنية التي نبت خلالها الرسم في مخيلتي، فكل ما أذكره رغبتي الدائمة في تقليد الأشكال على ورقة بيضاء، حيث كنت أشعر بأفكار لم أستوضحها إلا في مراحل متقدمة من السن، كفكرة نقل الشكل إلى ورقتي لأكون حراً بالتصرف فيه ومعه، أغيره حسب ما أهوى، أضيف إليه، ألغيه، حالة من الراحة في التعاطي مع الأشياء والأشخاص كانت تعتريني.

    من أعماله

  • ما هو مفهوم اللوحة التشكيلية بالنسبة إليك، ومن أين تستمد مواضيع اللوحات؟
  • ** اللوحة على ما أميل إلى الاعتقاد به ليس لها مصدر، أو بمعنى أدق ليس لموضوعها -إن كان على هذه الدرجة من الوضوح- (شيء ما يشبه البحث في شريط الذاكرة الحسية)، ذاكرة وجدان الفنان، موقفه البصري والحسي من الأشياء والحياة، انفعالاته العفوية التي يجب أن يقودها، وعي المعرفة الأكاديمية بعناصر التشكيل وبناء العمل الفني والثقافة الشخصية: كل هذه الأشياء مجتمعة تشكل خزاناً غنياً للملاحظات الذكية للفنان وإدراكه لعناصر وخصائص ودقائق بيئته وهمومها، وقد يجوز القول إنه يختزن بذكاء كل ما يعتمل حوله ومن ثم يحوله في وعيه الفني إلى صياغات صورية يعمد إلى إلقائها على سطح اللوحة بما تحتم عليه معرفته بالفن وبداخله الشخصي.

  • لماذا يصر "نعمان" على رسم الطفولة؟
  • ** ليس إصراراً بقدر ما هو خيار، يبدو لي من وجهة نظر إنسانية أن ما يحيط بأطفالنا اليوم هو على قدر من الأهمية؛ حيث يدفعنا إلى مناقشته بالحد الأدنى "لتحليله، لتسجيله، لرؤيته" على أقل اعتبار ولا أنكر أن ما يعتمل بداخلي في هذه الفترة هم الأطفال.

    لا أكاد أصدق الكم الهائل من القبح الذي يمكن أن يرونه، الكم الهائل من السلب الذي يحيط في بيئتهم، الحزن الذي قد يلم بهم... كل ما يمكن أن يكون في عالمهم قد يفقدونه ببساطة، بساطة هذا الفقد هي كارثة مستقبلية على قاعدة بناء جيل واعٍ وصحي وبالحد الأدنى من الشرط الإنساني.

    هاجسي تجاه الأطفال يدفعني إلى التماثل معهم؛ لتجريب زاويتهم في الرؤية، لملامسة أحاسيسهم ورغباتهم، لملامسة حنقهم وأحزانهم.

  • هذا على صعيد الموقف النفسي في العمل التشكيلي، ماذا عن الصعيد التقني؟
  • ** أنا أتبنى (حالياً) المسألة الحسية العفوية في الفن، وأعمل على بحث الحساسية العفوية برسم الخطوط والأشكال على قاعدة تشكيلية تعطي للحس والانفعال الأهمية الأولى، ضمن المنطق الفني وهذا يسمى التجريب، وأنا شخصياً أميل إلى تسميته تجربة على ضوء القناعات الحالية لي، قد تحتمل الصواب وقد تحتمل العكس، لكن تبقى قيمة التجربة في عيشها وحيثياتها.

  • هل مازال "نعمان" طفلاً كالذي يرسمه؟
  • ** نعم، أشعر بذلك الطفل في داخلي أشعر بإصراره على ملازمتي حتى وأنا أتقدم بالوعي والإدراك والسن، قد يكون هو المسؤول عن خياراتي الفنية، وقد يكون هو من يسيطر على الناحية الحسية العفوية التي تنهزم أمام الوعي والإغراق في قيود الفكر، (إلا أنني وبصراحة أتواطؤ معه كثيراً).

  • عنصران دائماً ما تتميز بهما لوحاتك: "المفتاح، والعصفور"، ما هي دلالة هذين العنصرين في لوحاتك وأنت البعيد عن تحميل المعاني الرمزية؟
  • ** بصراحة أنا لا أجيد كثيراً تحميل المعاني الأدبية للرموز، يمكنني القول: إنني أشعر بها أكثر مما أفهمها، وبصراحة أكثر أشعر بأنني أسير فيما يشبه المطب الفني من جهة تحميل الرمز الأدبي في لوحتي، وأنا أحاول جاهداً الهروب من هذه المباشرة والقصصية، وهذا ما يحدده عمق وغزارة وجدية البحث الفني في اللوحة. من وجهة نظر "السيميولوجيا" (علم الدلالة)، فإن لكل شكل دلالته، قد يكون المفتاح مفتاحاً، وقد يكون رغبة ما، وقد يكون العصفور عصفوراً، وقد يكون حلماً ما، إلا أن الصيغة التشكيلية التي ينوجدان بها في لوحتي أظن أن ما يمليهما علي هو اللوحة بحد ذاتها بمفاهيمها التشكيلية، بالتعاون مع ذاكرتي الوجدانية وموقفي من الطفولة وأحلامها وهمومها، أنا أسترسل بعفوية مع ذاكرتي وأعتقد أن ما يظهر في اللوحة من عناصر وأشكال هو بالضرورة مرتبط وجدانياً مع ما أطرحه في اللوحة، وأميل إلى الاعتقاد أن هذا منهج واضح في طريقة التعامل مع اللوحة التشكيلية.

  • كيف يرى "نعمان" العلاقة بين المتلقي واللوحة؟
  • ** هي مشكلة لا بد من الاعتراف بها والوقوف عندها مطولاً، لكنني أرى أن تحليلها ليس مرهوناً بالفنان وحسب، فالنقد الفني الصحيح والثقافة الفنية شريكان أيضاً بالمشكلة، وغالباً ما أعزو هذه المشكلة بخلفياتها البعيدة إلى التعليم، والتعليم المبكر أساساً (المدرسة)، وأعتقد أن المشكلة خطيرة وملحة كثيراً في السياق الحضاري، فالفن يتقدم بسرعة مذهلة ولا يمكنه أبداً أن ينتظر أحداً، وليس من المنطقي أن يكون على مقاس أحد، فهو قائم بذاته ومن يرغب فيه عليه المضي إليه.

    وهنا لا بد من السؤال لماذا لا يوجه هذا النوع من الأسئلة إلى الرياضيات مثلاً أو الموسيقا أو الصناعة أو الهندسة؟ لماذا لا يؤخذ على الصناعة الإلكترونية أنها تتقدم على التطور العقلي للبشر؟ وبنفس الوقت يتهم الفن أنه بعيد عن الناس، أليس الفن أيضاً نتاج العقل البشري وهو يتطور بنفس طريقة أي علم؟ لماذا لا يلام أي أحد لا يسعى إلى فهم الفن؟ على الأقل أنا أجير هذا السؤال للمتلقي. لماذا لا يقال لمخترعي الأقمار الصناعية: تريثوا قليلاً فنحن لا نستطيع تخيل أنكم سوف تهبطون على القمر؟ نعم.. الفن يشبه الهبوط على القمر.

    الفنان "عامر ديوب" تحدث عنه: «"نعمان" قدم تجربة جديدة مستخدماً أسلوبه التعبيري المتخصص بأحاسيس الطفولة، بعد أن قدم تجارب عديدة بأسلوبه الأكاديمي، ذلك الأسلوب الذي نتحدث عنه أعطاه دفعاً تعبيرياً وخاصاً به كصاحب خط فني، ونحن بشكل عام نطلق عليه خطاً طفولياً بينما هو ينصب في مجال التجربة التعبيرية ذات الطابع الأكاديمي شكلياً ولونياً، فهذه التجربة ذات مضمون فني راقٍ تتحدث عن الكثير من الأمور الحياتية في الواقع المعاش، حتى إنها دخلت بما ورائيات العمل من فلسفة خاصة بالفنان كتقنية وكفكر يقدمه بشكل بسيط بصرياً كخطوط مرنة وهذه دلالة على تمكن الفنان من أدواته وأسلوبه ليعطي عملاً فنياً ذا مضمون متكاملٍ تشكيلياً، وتلك التجربة ناضجة من حيث القراءة البصرية والفكرية واللونية».