في سعيها إلى تكوين هوية خاصة بها في تجربتها التشكيلية، ذهبت الفنانة السورية "هيام سلمان" إلى تجربة أشكال جديدة في العمل الفني، أفضت إلى نتائج طيبة تركت صداها لدى الجمهور والنقاد.

بعد أن تعذر عليها متابعة دراستها الفنية في العاصمة "دمشق" نظراً إلى ظروف اقتصادية واجتماعية، درست الفنانة "سليمان" الفن دراسة خاصة في مركز الفنون التشكيلية في "اللاذقية"، الذي رغم ضآلة ما قدمه فنياً إلا أنه فتح لها الباب أمام تفاعلات مع الحركة الفنية اللاذقانية المنفتحة على مختلف المدارس المحلية والعالمية، وشجعها على أن تنتقل بتجربتها إلى الضوء، فكان المعرض الفني الفردي الأول في "المتحف الوطني" عام 2000، منطلقة بتجربة جديدة، هي الرسم باستخدام "بقايا القماش"، بعد مشاركات عديدة في معارض جماعية في المدينة.

ما هي إلا استمرار للعلاقة الطويلة بين المرأة، وتلك الأدوات، من حيث كونها إحدى تجليات التعبير الثقافي والانفعالي للمرأة

تجربة الرسم باستخدام بقايا القماش، شكلت تحدياً كبيراً، تقول الفنانة "هيام"، في حديث مع مدونة وطن “eSyria” بتاريخ 17 آذار 2014، خاصة في مشاركاتها الدولية، كما في معرض "مورتسبورغ" في "ألمانيا" العام 2009، الذي احتاجت فيه إلى استخدام خامة القماش على مساحات كبيرة تجاوزت المتر ونصف المتر، وتضيف الفنانة: «الرسم بالقماش، ليس مجرد صرعة فنية، إنه تحدٍ، ينسحب إلى اللون، والفكرة، والمساحة، والنمط الفني في حد ذاته، الحرية التي يتيحها لك القماش في تدرجاته اللونية، وهو ليس سهلاً بالمطلق، إنه أشبه بحصار، على الفنان أن يعرف كيف يتعامل مع هذا الحصار».

من أعمالها الجديدة

وفي عالم تشكل نسبة الفنانات فيه نسبة ضئيلة (ليلى نصير، آنا إبراهيم، من نفس الجيل)، ترى الفنانة أن هذا أضاف أعباءً إضافية إلى عملها، فللمرأة خصوصية، تنبع من عوامل كثيرة، أبرزها الوعي، والوجود الاجتماعي، وتطرح الفنانة تساؤلاتها قائلةً: «ربما يكون هناك ما هو مختلف من الناحية الإبداعية، لأن الإبداع، بشكل عام هو وليد الموهبة والثقافة، ويحمل سيرة ذاتيه عاشها المبدع، كما أنه يتعلق بالذات، وهنا تطرح تساؤلات عديدة: هل سيختلف عملي عن عمل غيري إبداعياً لأنني أنثى، أم أنه سيختلف حتماً بشكل طبيعي لأنه يعبر عني أنا بكل ما أحمله ثقافياً، فكرياً، عاطفياً، اجتماعياً.. إلخ ؟».

وتكون الإجابة ببساطة هي سؤال معاكس، تقول الفنانة: «هل استطاع المنتج الإبداعي (سواء أبدعه رجل أم امرأة) إثارة المتلقي أم لا؟ هذا هو الأهم، ومن ثم كما أرى، لا يمكن عزل أي عمل إبداعي عن سياقاته الاجتماعية».

من أعمالها على القماش

من هنا جاءت تجربة الفنانة في لوحتها القماشية، على أساس استعادة خبرات النساء الريفيات، تجربة قامت على ترقيع الألبسة، وخياطة أدوات منزلية بسيطة (أغطية، وسادات، أغطية أسرة، طاولات، جيابيات، ستائر... إلخ)، باستخدام أقمشة مختلفة متنوعة الحجوم والنسيج والملمس، متنافرة الألوان متباينة المساحات، لتنجز بشكل عفوي وفطري منتوجات بمنتهى الجمال، مع أن الهدف منها استعمالي وظيفي، من هذه التقنية البسيطة القائمة على (القماش والإبرة والخيط) انطلقت الفنانة لإنجاز عمل فني تشكيلي يرتقي بالمادة والتقنية معاً، ليدفع بالحس الجمالي وينهض به شكلاً ولوناً وبناءً، وهذه المحاولة كما تقول: «ما هي إلا استمرار للعلاقة الطويلة بين المرأة، وتلك الأدوات، من حيث كونها إحدى تجليات التعبير الثقافي والانفعالي للمرأة».

في علاقتها مع حضور المرأة تقنياً، ووظيفياً، في لوحاتها، تؤكد الفنانة أنها تبحث عن حضور مختلف للمرأة، بوجه مجتمع يهوى قولبة إبداعها، وتصنيفه في الدرجة الثانية إبداعياً، فما تواجهه في مجتمعاتنا هو أن (كونها امرأة يطغى على مسألة إبداعها)، ويكون الرد الطبيعي على هذا التغييب الذكوري، الذهاب في اللوحة إلى التعبير عن كامل مكنونات هذا الصراع، تقول الفنانة: «غالباً ما أعمل ناسيةً هذه التقييمات، لذلك ترى في أعمالي لوحات تعبر عني، تحمل تكويني الذاتي الذي يفيض بالمؤثرات الاجتماعية والثقافية التي أحملها، أحاول أن أرسم لوناً خاصاً مختلفاً يثير الدهشة، أنقشه قطبة قطبة على سطح لوحتي».

في حوار مع الفنان حسين صقور

شاركت الفنانة في المعرض الجماعي الأخير لفناني "اللاذقية" في صالة "C-art"، بأعمال جديدة، مستمدة من نفس خطها الفني، وفي جديدها هذا تستمر في التأكيد على الربط بين الفن وقيم الفن، تحتج على الكثير من الأعمال الموسومة بـ"الفن"، وتقول: «لو نظرنا اليوم إلى واقعنا الفني الحالي، لرأينا ظاهرة نافرة وغريبة، هناك من يرسم عدة خطوط وبضعة ألوان ويعلنها لوحة، كيف لك أن تصل إلى تجريد شكل ما إن لم تتشبع بتفاصيله، وخطوطه وألوانه؟ استسهال، يؤدي إلى الحاق الأذى بمن يفعله ويوصله إلى حائط فني مسدود آجلاً أو عاجلاً، والأمثلة على ذلك كثيرة، ما أريد قوله هنا أنه ليس علينا أن نخضع للقيود، بل على العكس، الحرية سمة أي إبداع، لكن وكأي عمل إبداعي، لا بد أن يكون نتاجاً لتطور مكلل بالدراسة العميقة والتمكن من الأدوات، مع إيماني المطلق بحق أي فنان أن تكون له حرية اتباع أساليبه الخاصة».

وفي قراءة لأعمالها، قال الفنان "حسين صقور":«إن توظيف الفنانة "سلمان" لقصاصات الأقمشة في بناء عملها الفني، "يكافئه دخول خيالها الثري في إغناء لوحاتها بتكوينات فنية مبعثرة، تشبه ظلالاً بشريةً ملونة، ومترابطة في حلقات دبكة، ورقص أشجار، وطيور، فراشات، تخلق إيقاعها المتناغم بذاتها، يعود سر جماليتها إلى بدائيتها وتشابهاتها المنتظمة الإيقاع، مما يشير إلى صبر فنانة تختبئ خلفه وإلى حاجة ملحة إلى التعبير، وخلق عمل يؤكد حضورها، وربما استطاعت أن تدخل في عمل تطبيقي تستعيض فيه عن لعبة اللون، بملصقات وخياطة أقمشة ملونة، إلى عمل فني إبداعي».

من جهته الفنان "بولس سركو" اعتبر أن الفنانة تمكنت من تقديم أعمال فنية جميلة بأدوات غير تقليدية، وأضاف: «اعتمدت الفنانة على قصاصات القماش لتصوغ عن طريق "الكولاج" أشكالاً بشرية متمايلة وسط أجواء حدائقية، تتناسق فيها عناصر الطبيعة مع هذه الأشكال، بتناغم هارموني، تكاد تسمعه وأنت تغوص بين خطوط منحنية فيها من الرقة والجمال ما يشد المشاهد إليه ويعمق تأمله ونشوته».

الفنانة "هيام سلمان" من مواليد 1964، من أهم معارضها: معرض (عتيق عتيق، وحديث المكان) في خان "أسعد باشا" بـ"دمشق"، 2006، معرض مشترك مع النحات "ماهر علاء الدين" في صالة "الخانجي" بـ"حلب" 2009.

وهي رئيسة مجلس إدارة جمعية "أرسم حلمي" الفنية، ومن مؤسسيها.

أعمالها موزعة ضمن مقتنيات خاصة، إضافة إلى مقتنيات في وزارة الثقافة، متحف الفن الحديث، ومقر الأمم المتحدة.