اختار "بشير محفوض" العزلة بين أحضان الطبيعة، فتآلف معها، وسكن في حضنها، فاحترف فنّ النحت وتربية الحيوانات والزراعة، وبات ركناً أساسياً من أركان "رأس شمرا".

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 25 آذار 2017، في إحدى القرى المؤدية إلى "رأس شمرا" الفنان "بشير محفوض"، ليحدثنا عن حياته وسبب بقائه بعيداً عن الناس، فقال: «أحببت أن أمارس بعض هواياتي، وهي تحتاج إلى البعد عن الناس والانغماس بالطبيعة البكر.

فنه يعكس إنسانيته، وتعايشه مع الطبيعة والحيوانات يعكس مدى جمال روحه، والقدرة التي يوصلها إلى الآخرين بطريقة إيجابية تعكس صدق مضمونه مع الحياة

عشت طفولتي بحلوها ومرّها، وكنت واعياً لكل شيء حولي، وأختار أغراضي كلها بنفسي، كنت طفلاً صغيراً بعيداً عن أهلي ليس بالسكن، وإنما بالانتماء، كان والدي مسافراً كي يؤمن لنا حياة رغيدة، وكانت أمي تقوم بتربيتنا وإنجاز أمورنا وتأمين لقمة العيش لنا، لذلك لم يكن بإمكانها أن تكون معنا دائماً، وكان أخواتي يساعدن أمي بالمزروعات ونقلها إلى السوق لبيعها، لا أنسى أبداً أختي الكبرى التي كانت تقود سيارة الخضار إلى السوق. عشت بين الطبيعة والبحر، تعلمت منهما الفن والحب والتميز والعطاء ونقاء الروح.

من أعماله النحتية

وبالنسبة للدراسة، فلم أشعر بالانتماء إلى المدرسة، ومع هذا كنت متفوقاً فيها، درست حتى الثانوية، وبعدها قررت الانفصال عن أهلي ومحيطي، فسكنت في مزرعة بكر، وحولتها إلى جنات متنوعة كما كنت أحلم.

هواياتي كثيرة، لكنني قررت أن أختزلها كي أنجح وأبرع بها، فاخترت النحت وتربية الحيوانات».

النحل وسط المزرعة

يقول "بشير محفوض" عن عمله الذي اختاره بعيداً عن المدينة وضجيجها: «منتوجاتي هي: العسل من مناحلي الموجودة بالمزرعة، وتوالد الأرانب الكثيرة لدي، وطيور الحجل والكلاب والقطط، وأيضاً أعمالي التي أنحتها، فقد أسست ورشتي الخاصة، والأعمال لا تشبه المألوف، وتحول المكان إلى موضع اهتمام الناس، فكل من يزورني يبهر بالمكان وروعته، ويقف صامتاً غير قادر على التعبير من روعته. أحببت البعد والعزلة كي أكون بمزرعة بعيدة، وأحقق الاكتفاء الذاتي، فبنيت كوخاً مؤلف من غرفة متوسطة الحجم تضم غرفة النوم والاستقبال والحمام والمطبخ، لكن بطريقة فريدة وغريبة من نوعها».

استفاد من كل ما تقع عيناه عليه، وصنع منزلاً بسيطاً بطريقة النحت، وأضاف: «في البداية قمت بنحت التخت الخشبي الذي أنام عليه، ونحت رفوفاً من الخشب فوق سريري، وكذلك قمت بصنع مقعدين كبيرين لاستقبال الضيوف، وعملت على نحت المجلى من الصخر ووضعته في المطبخ. أما أواني المطبخ، فهي عبارة عن علب سائل الجلي أقوم بتقطيعها بطريقة معينة وأضع فيها أواني المطبخ، وكذلك الأمر بالنسبة للمرافق. أما المدفأة، فهي عبارة عن برميل قمت بوصله بمدفأة حمام، كي أستفيد منه بالتدفئة والماء الساخن».

جلسة من الخشب

لم يقف "بشير محفوض" عند هذا، بل قام بنحت بئر بالصخر، ومجموعة من الكراسي والمقاعد المتعددة الأشكال، ونحت الكثير من أواني المزروعات والورود، وعمل مجموعة كبيرة من أقفاص العصافير والأرانب بطريقة غريبة وجميلة.

الفنان "نزار علي بدر"، فقال عن طريقة حياة "محفوض": «قريب روحياً إلى كل فنان، يفيض حناناً وإنسانية، وقلبه مملوء بالمحبة، أهنئه بالوحدة والعزلة العاشق لها، وهي المعشوقة التي أغنته عن الحياة، وأكبر كنز أن يقتنع الإنسان بما هو عليه».

أما "سامر ياسين" صديق النحات "محفوض"، فقال عنه: «فنه يعكس إنسانيته، وتعايشه مع الطبيعة والحيوانات يعكس مدى جمال روحه، والقدرة التي يوصلها إلى الآخرين بطريقة إيجابية تعكس صدق مضمونه مع الحياة».

يشار إلى أنّ "بشير محفوض" من مواليد "رأس شمرا"، عام 1973.