كعادته في كل عام يأتي به شهر رمضان فإن السيد "قدري الحراكي" يدع محله "السوبر ماركت" المشهور لشريكه في العمل لأنه لا يحتمل البيع خلال يوم الصيام، وكما عبر لموقع eIdleb فقد مل مقارعة الزبائن ومفاصلتهم خاصة مع موجة غلاء الأسعار التي تمر ثقيلة في هذا الشهر. إلا أن احتمال الزبائن هي السمة الأساسية لهذا الشريك طويل البال الذي لم تمكنه الزحمة من الحديث إلينا ولو للحظة واحدة بسبب اقتراب موعد أذان المغرب، وحسب ماأشار لنا بيده همس قائلاً:

«زبائن قبل المغرب هم من أثقل الزبائن لأنهم يطلبون المقبلات والمشروبات التي يترفعون في أذواقهم باختيارها ويعلم الجميع أن شهر رمضان أتى في فصل ٍحار هذا العام، لذلك فإن الناس تختار من المشروبات الباردة والعصائر ما يطفأ ظمأها بسرعة»، بعيداً عن محل "الحراكي" وباتجاه السوق الذي يغص بالناس أحد بائعي "العرقسوس" يزاحم بعربته ويحاول بيع آخر ما لديه من أكياس عادةً ما يتهافت عليها الناس في مثل هذه الساعة من النهار، ولكن أين "التمر هندي" على عربته، هذا ما سألنا عنه فأجاب: «"التمر هندي" الذي أبيعه لذيذ جداً لذلك فإنه لم يتبق لدي أي كيس اليوم، وبشكل عام فإن الناس تفضل "التمر هندي" أكثر من "العرقسوس" لأنه حلو وسريع البرودة، أما "العرقسوس" فهو أقل شعبية، وشيء جميل العمل على تقديم ما يروي الصائمين قبل الإفطار والحمد لله أن الحرارة منخفضة والجو معتدل وبذلك نتمكن من القيام بفريضة الصيام بلا أية صعوبة».

زبائن قبل المغرب هم من أثقل الزبائن لأنهم يطلبون المقبلات والمشروبات التي يترفعون في أذواقهم باختيارها ويعلم الجميع أن شهر رمضان أتى في فصل ٍحار هذا العام، لذلك فإن الناس تختار من المشروبات الباردة والعصائر ما يطفأ ظمأها بسرعة

المشكلة أن الزحام يعرقل حركة مرور الناس كما أنه يجبر سائقي السيارات على التوقف والتسوق، فلذة النظر إلى البسطات في جانبي الشارع أو التي غدت وسطه لا تضاهيها أية لذة، أما روائح المعجنات التي تفوح والحلويات التي تملأ السوق بزكاء رائحتها تسحر لب العقل وتجعله يهيم في هذا السحر فترةً طويلة فينسى الهدف أو المبتغى الذي جعله يدخل السوق، وخلال المشي في جموع الناس يخالجك شعورٌ بحقيقة أن رمضان بينهم وكأنه يمشي معهم وهنا لا يهم إن كان الباعة يريدون التسبب بالرزق معتمدين على نقود جيبك أم لا، بل تجد نفسك مخرجاً هذه الفلوس بسهولة لتعبر السوق دون أن تخرج فارغ اليدين وتصبح في نظر الناس كـ "الخارج من المولد بلا حمص"، ليس هذا وحسب فعندما تقرر الخروج ومن وسط الزحمة لتشم عبق السماء وتريح جيبك الذي بدأ يضمر يواجهك بائع "المونة" الذي يتذرع بتقليب الزيتون المعبأ في "فروغ" كبيرة ليذكرك بتجهيز السحور من مؤنة الطعام المُحضر من محله ويقنعك قائلاً: «لدي "الجبن العربي" وإذا أردت الإبتعاد عن الملوحة فلدي الجبن المُعلب الأخف ملوحة، أما الزيتون فيبدأ بالمُكلس وينتهي بـ "العطون" الأسود، كما أحوي جميع أنواع المربيات من المشمش إلى التفاح والكرز ولا تنسى أن تشتري "الحلاوة" وهي وجبة السحور الرمضانية الأساسية»، بعد أن تسمع هذه الكلمات تفرغ آخر ما تبقى من ليرات جيبك وتستغني عن ركوب "تكسي" الأجرة للوصول إلى المنزل.

بائع العرقسوس والتمر هندي

فصول وحكايات كثيرة يخلفها سوق رمضان "المعرة" المتواصل ليل نهار، لأن الشهر يطبع بسحره الأجواء كلها ويغير العقول ويصفي القلوب دون أن يستطيع أياً كان مقاومة ذلك، وهو بذلك يطرح ظلالاً سحرية ثقيلة تقيدك بمعانيها الحسية، فلا يمكن أن يمر عام دون أن يحدث هذا الشهر أثراً ممتداً إلى رمضان الذي يأتي بعده.

الإزدحام الكبير وسط الشارع الرئيسي
بائع الأطعمة المُشكلة