يعتبر "جبل الأربعين" أهم منطقة سياحية في الشمال السوري وذلك لتوفر العديد من مقومات وعناصر الجذب السياحي فيه، فهو يقع في منطقة مرتفعة تشرف على مساحة واسعة من سهول "أريحا" و"إدلب" إضافة إلى هواءه النقي وطبيعته الساحرة التي يخلقها الغطاء النباتي المنوع من الأشجار المثمرة وأهمها أشجار "الكرز" و"المحلب" والأشجار الحراجية وأهمها "السماق" و"السنديان" و"البلوط" و"الزعرور" إضافة إلى وجود العديد من المواقع الأثرية المهمة التي تحمل الطابع الديني والتي تعتبر عنصر جذب للسياح لما لها أهمية دينية وتاريخية.

هذا ما يتميز به "جبل الأربعين" ولكن هل يرقى واقع السياحة فيه إلى مستوى واقع المناطق السياحية الأخرى؟

لم تكن الخدمات التي حظي بها "جبل الأربعين" سوى لمسات خجولة من قبل المعنيين في الواقع السياحي في المحافظة أو في القطر عموما

للإجابة عن هذا السؤال موقع eIdleb التقى العديد من المعنيين بالواقع السياحي والخدمي في المحافظة للوقوف على حقيقة الواقع السياحي الذي يوجد في "جبل الأربعين" وما هي العقبات التي تقف في طريق تحسين هذا الواقع.

الأستاذ مصطفى سماق مدير مكتب التوثيق السياحي بأريحا

*طبيعة متميزة ومؤهلات بحاجة إلى تفعيل

«يتميز "جبل الأربعين" بمقومات سياحية حباه الله إياها من هواء نقي وطبيعة خلابة وغطاء نباتي فريد من نوعه في المنطقة نتيجة تعدد أنواع الأشجار التي تغطي سفوحه إضافة لما يحويه من مواقع أثرية تتعلق بالجانب الديني والأثري الذي يعتبر من أهم الآثار الدينية والتاريخية في المنطقة». هذا ما قاله الأستاذ "مصطفى سماق" مدير مكتب التوثيق السياحي والأثري في "أريحا" والذي أشار إلى أنه رغم توفر هذه الإمكانات الطبيعة لكن الواقع السياحي في الجبل فإنه لا يرقَ إلى مستوى الخدمة السياحية التي تتميز بها مناطق أخرى أقل منه جذب ومؤهلات طبيعية بسبب عدم تفعيل هذه المؤهلات السياحية والطبيعية فيه».

الدكتور صفوان قربي عضو مجلس الشعب السوري

الشاب "محمد عثمان" أحد السائحين الذي جاء من محافظة "حلب" ليمضي بعضاً من الوقت في الجبل قال لموقعنا: «يتميز "جبل الأربعين" بالعديد من المؤهلات السياحية الطبيعية التي جعلته محط اهتمام سكان مدينة "حلب" على وجه الخصوص الذين يجدون فيه متنفس لهم للخروج من واقع المدينة إضافة إلى تقارب الواقع الاجتماعي بين سكان "حلب" ومنطقة "أريحا" و"جبل الأربعين" كما أن الطبيعة الجيدة في التعامل من قبل الناس جعله محط اهتمام الكثيرين من المصطافين والسياح إلا أنني أرى أن الواقع السياحي لا يتناسب مع الأهمية الطبيعية لهذه المنطقة الجميلة نتيجة ضعف الخدمات وفقر الجبل بالمقومات السياحية التي أدت إلى عدم تفعيل دوره في جذب السياح لتنشيط الحركة السياحة فيه».

*خدمات ناقصة ولكن! أين الحل؟

الأستاذ ميمون فجر مدير السياحة في إدلب

ويشير الأستاذ "سماق" إلى فقر شديد في الواقع الخدمي للجبل ومن أهم الخدمات التي تكاد أن تكون معدومة في الجبل يقول: «ضعف عنصر الترويج السياحي الذي منه تبدأ العملية السياحية، والذي يعتبر العمود الفقري في العملية السياحية، إضافة إلى إهمال شديد في طرقات الجبل التي لا تدل على وجود منطقة سياحية، أهم النواحي التقصير في الجانب السياحي، ضعف المقاصف والمنتزهات التي لا يصل فيها مستوى الخدمة إلى الحد المطلوب بسبب ضعف الثقافة والخبرة السياحية للقائمين عليها، إضافة إلى فقر الجبل إلى المرافق العامة من حمامات وحدائق وأرصفة ومقاعد خشبية من المفترض أن تكون من الأشياء الأساسية في مثل هذه المنطقة، كما أن وجود مثل هذه المنطقة السياحية الهامة تحتاج إلى وجود مفرزة حراسة أو مخفر شرطة في المنطقة لتوفير الأمن إلى السياح والمصطافين، كما أن هناك تقصير واضح من قبل مديرية الآثار التي لا تولي المواقع الأثرية أي اهتمام، ومن أهم الأشياء التي يفتقر لها الجبل عدم وجود استثمار سياحي وإتاحة الفرصة أمام المستثمرين لإقامة منشآت سياحية ترقى بواقع المنطقة».

السيد "مجد بزماوي" صاحب محل وبيوت للآجار في الجبل يقول: «هناك فقر شديد بمقومات السياحة في الجبل ومنها نقص الماء الذي أكثر ما نعاني منه في فترة السياحة التي تتطلب زيادة في كمية الماء، وسبب هذا النقص يعود إلى التقنين الذي تتبعه مؤسسة المياه على حساب الجبل دون توزيع التقنين على المدينة أيضاً».

*مقترحات لتطوير الواقع السياحي

جملة من المقترحات قدمها الأستاذ سماق خلال حديثه والتي اعتبرها جوهر العملية السياحية التي يفتقر لها الجبل وأهمها: تفعيل مكتب التوثيق السياحي والأثري الذي يسعى دائما إلى تسليط الضوء على هذه الأماكن، من خلال تقديم الدعم المادي له لتغطية نفقات العمل على تحسين واقع هذه المواقع الأثرية، وتوجيه الوفود السياحية القادمة إلى المحافظة له من قبل مديرية السياحة، إضافةً إلى وضع دلالات طرقية تشير إلى المواقع الأثرية لتعريف السائح بها، وتأهيل الطرقات والأرصفة من خلال تعبيدها وصيانة الأرصفة التي تعاني من التشققات والحفر، تأهيل المطاعم والمقاصف التي تحتاج تنظيم وتأهيل بدأ من كوادر هذه المطاعم وانتهاء بواقعها الجمالي وتشديد الرقابة من قبل مديرية السياحة لتحسين مستوى الخدمة والنظافة فيها، الحفاظ على الغطاء النباتي من الانقراض من خلال الحد من الزحف العمراني الذي أطاح بالكثير منه، من خلال منع إعطاء الرخص للبناء في الجبل، تشجيع المستثمرين وتقديم كافة سبل الدعم والمساعدة لهم عن طريق تقديم التسهيلات لإنشاء منتجعات سياحية تكون من مستويات راقية».

*لمسات خجولة وحلول لا تتناسب مع الواقع

«لم تكن الخدمات التي حظي بها "جبل الأربعين" سوى لمسات خجولة من قبل المعنيين في الواقع السياحي في المحافظة أو في القطر عموما»، هذا ما قاله الدكتور "صفوان قربي" عضو مجلس الشعب السوري وابن مدينة "أريحا" والذي يضيف: «إن "جبل الأربعين" من أهم المناطق السياحية في الشمال السوري وهو غير مؤهل بشكل جيد ليس فقط "جبل الأربعين" بل "محافظة إدلب" والعديد من المحافظات الأخرى التي تحتاج إلى المزيد من الاهتمام من قبل وزارة السياحة، وبناء على ذلك تركزت مداخلاتي في المجلس حول هذا الواقع والتي وجهتها إلى وزير السياحة وأشرت فيها إلى أهمية محافظة "إدلب" فكانت الاستجابة ضعيفة من قبل وزارة السياحة ووزارة الثقافة المعنية بهذا الموضوع والسبب في ذلك أن هذه المواضيع معلقة في عدة وزارات وعدم التخصص في الموضوع الواحد يؤدي إلى ضعف الاستجابة في حل مشكلته، لكننا استطعنا أن نحصل على مجموعة من المبالغ المادية لدعم السياحة في "جبل الأربعين" وكانت من وزارة السياحة ومن قبل المحافظة ولكن بقي الأمر متعلق بالجهات المعنية في المحافظة رغم أن هذا الدعم يعتبر غير كافي للارتقاء بالواقع السياحي، فأنا أطلب من السلطات المحلية في المحافظة أن تطالب بجميع الخدمات الناقصة وبإصرار حتى تحصل عليها».

السيد "نضال حداد" رئيس لجنة السياحة في مجلس مدينة "أريحا" يقول: «السبب الرئيسي في تأخر الواقع السياحي في الجبل يعود إلى عدم تخصيص ميزانية مستقلة له لذلك يجب فصله عن مدينة "أريحا" من حيث الميزانية لتقديم الدعم الكافي له».

وفي الجانب الآخر التقينا الأستاذ "ميمون فجر" مدير السياحة في "إدلب" ليحدثنا عن الحلول البديلة لهذا الواقع والذي يقول: «لم يأخذ "جبل الأربعين" أهمية كافية من الناحية السياحية، لكننا نسعى إلى تطوير هذا الواقع فيه من خلال تقديم الدعم لمجلس مدينة "أريحا" تم من خلاله تزفيت الطريق السياحي وإنارته بشكل كامل وتخديمه بالمقاعد الخشبية لتشجيع السياحة الشعبية وسياحة المشاهدة لما يتمتع به الجبل من إطلالة متميزة على سهول "أريحا" و"إدلب" كما تم بناء بحرة في بداية طريق الجبل وتم تأهيل العين الرومانية، كما تقوم المديرية بالمعالجة الفورية للأماكن الغير مرخصة، ولكن عملية التأهيل تسير ببطء نظراً لضعف الإمكانيات المادية، كما أننا نسعى إلى وضع حلول جذرية للنقص في الخدمات بالتعاون مع مجلس مدينة "أريحا"».

الأستاذ "محمد ماجد نجم الدين" رئيس مجلس مدينة "أريحا" يقول: «يسعى مجلس المدينة للارتقاء بالواقع السياحي للجبل من خلال تأمين النظافة التي نحاول جاهدين إلى تأمينها في الجبل والتي تعتبر العنصر المهم في مجال السياحة كما أننا نقوم حاليا بإعادة تأهيل المقاعد الخشبية المنتشرة على جوانب الطريق المؤدية إلى الجبل إضافة إلى تنفيذ مشروع حدائق وادي العين التي تعتبر بادرة مهمة لتنشيط الواقع السياحي في الجبل إضافة إلى طرح مشروع إنشاء خزان مائي للجبل وفصله عن مدينة "أريحا" لتامين الماء إلى الجبل والتخلص من مشكلة نقص الماء فيه».

الحال كما هو وعملية التطوير السياحي تسير بخطوات بطيئة، فهل يتم تسريع تطوير الواقع السياحي في "جبل الأربعين" في الأعوام القادمة؟ أم أنه كغيره من المناطق السياحية والأثرية في محافظة "إدلب" والتي لم تلقَ أدنى حد من الدعم من قبل الجهات المعنية.