ليكون الحديث أكثر مصداقية لابد من استعمال فعل الماضي الناقص (كان) حين يكون الحديث عن بساتين المعرة خاصة بعد الغلاء المتصاعد للعقارات، مما دفع بتجارها، للسباق المحموم خلف الربح، وجمع الثروات على حساب ما يعرف عادة «برئة المدينة».

يقول محمد سليم الجندي في كتابه تاريخ معرة النعمان الجزء الأول:

(الزرّاع في المعرة هم أصحاب البساتين، وأصحاب الأرضين، وهؤلاء يسقون زراعاتهم من ركايا عميقة، يختلف عمقها ما بين العشرة أمتار إلى الأربعين متراً، يجتمع فيها الماء مما يتحلب من أرضها وجدرانها، ومما يسيل إليها من المطر، يستخرجونه منها بواسطة دواليب تديرها دواب، وعلى الدولاب حبلان يتخذان من أعواد الشجر الدقيقة فتلهما محكم، ويصل بين الحبلين أعواد، وعلى كل عود إناء يغرف الماء من الركية، يسمونه (قادوساً). وبين (القادوسين) ما يقارب الخمسين سنتمترا، والحبال مع ما عليها تسمى (صمدة) وهي مستديرة تغوص في الماء فتخرج القواديس مملوءة لتصبَّ إلى ساقية تنتهي في (بركة) لجمع المياه والسقاية منها.

يقول السائح التركي أوليا جلبي (محمد ظلي) عن هذا الماء: ماء المعرة نبع يكون في شهر تموز بارداً كالثلج.

وحكاية المعري عن ماء المعرة معروفة حين كان في بغداد، وأتوا له بماء المعرة فقال: سبحان الله لابد أن يكون هذا ماء المعرة، فأين هواؤها.

وفي الحق أنَّ ماء المعرة، وحلب وهواءهما لا نظير لهما في الأقاليم السبعة (هذا ما يراه محمد سليم الجندي).

وأهم مزروعات هذه البساتين الخضراوات بأنواعها الصيفية والشتوية.

إضافة إلى الأشجار المثمرة كالرمان والكمثري (الإجاص) والعنب، والتفاح، والخوخ، والفستق الحلبي، إضافة للتين، والسماق، والزعرور، والمشمش.

كانت مساحة البساتين تعادل ما يقارب 60% من مساحة المعرة أما اليوم فهي لا تتعدى 10%، وكأن تجار العقارات يؤثرون أن تتحول حكايات البساتين إلى حكايات من الماضي البعيد الذي ذهب إلى غير رجعة ومعه ذهبت أغلب بساتين المعرة.