تُعتبر "المجدرة" من الأكلات التي لا يكاد يخلو مطبخ وعلى امتداد ريف "إدلب" من معرفة وصلة موثقة بها، وقد أصبحت هوية في رؤوس الأكّيلين في المحافظة.

وقد تساءل موقع eIdleb على أثر الانتهاء من وجبة غذاء كانت حاضرة فيها "المجدرة": ما السبب الذي جعل السيد "علاء العاصي" الذي استضافنا يختار هذه الوجبة بالذات؟ فأجاب قائلاً: «كانت "المجدرة" فيما مضى هي الأكلة الوحيدة التي تُعتبر القاسم المشترك بين أبناء منطقتنا، غنيهم وفقيرهم، فلاحهم ومعلمهم، ولم يكد يخل منزل من منازل منطقتنا من وجبة "مجدرة" يوماً بالأسبوع على الأقل، وبالوقت الراهن وعلى الرغم من غنى المطابخ بالأكلات المتنوعة، وتوافر المواد الأولية وأنواع من الأطعمة التي لم يكن يعرفها أحد في السابق، لا تزال هذه الأكلة حاضرة وبقوة في مطابخنا، ولعل السبب الرئيسي في ذلك أنها إرث اجتماعي حقيقي، يُوازي معظم الأشياء الأخرى التي يرثها المرء عن آبائه، ويرغب بالمحافظة عليها بشكل دائم، ورغبةُ مني بالمحافظة على هذا الإرث وبشكل دائم، أعمد إلى استحضار واستجلاب كل الأشياء التي تربطنا بالماضي، وأعمل على إبقائها بشكل دائم، بالإضافة إلى أهمية هذه الأكلة وفوائدها الصحية، حيث يُقال العديد من الأمثال الشعبية فيها كـ "المجدرة مسمار الركب" أي إنها تحتوي على مواد غذائية تعطي الأقدام قوة على التحمل والثبات، ولا سيما للفلاحين الذي يقفون على أقدامهم لفترات طويلة خلال عملهم بحقولهم».

الأكلات الشعبية في منطقة "أريحا" معظمها أكلات متصلة بالتراث الشعبي، الذي يحكمه الواقع الاجتماعي من جهة، والواقع المادي من جهة أُخرى، ولكون سكان منطقة "أريحا" مزارعين، فهم يأكلون مما يزرعون ويلبسون مما يصنعون، فكانت معظم أكلاتهم مرتبطة بالواقع الزراعي القائم، وكان من أهم هذه الأكلات التي عُرفت بين كل فئات المجتمع هي "المجدرة"، والتي تعتمد اعتماداً أساسياً على المواد الزراعية، التي تُنتجها حقول المزارعين، والتي هي "الحنطة والعدس"، وبالتالي زيت "الزيتون" الذي يضاف لها بالنهاية، إضافة إلى أن ما يحكم وجود أكلات كهذه، عامل آخر مرتبط بالأوضاع المادية التي كانت سائدة، والتي يميل معظمها للقلة وعدم الرخاء المادي، كما يوجد عامل آخر وهو عامل ديني ساد في فترة من الفترات، اعتمد التقشف والزهد في جميع النواحي الحياتية، "المأكل والمشرب والملبس" بعيداً عن الرفاهية والبذخ الاجتماعي

وعن طريقة تحضير هذه الأكلة تقول الحاجة "فضيلة": «من أكثر الأكلات التي لا تكاد امرأة في ريف "إدلب" إلا وتُتقنها بشكل جيد وتستطيع تحضيرها بطريقة متقنة لا ينافسها فيها أحد، وخاصةً النساء الكبيرات بالسن هي "المجدرة"، لأننا منذ وعينا في فترات سابقة لم نكن نعرف إلا أنواعا قليلة من الأكلات، وكان على رأسها هذه الأكلة، وتعتمد في تحضيرها على مواد زراعية كنا ننتجها في حقولنا، فهي تعتمد على مادتين أساسيتين هما "العدس والبرغل"، حيث يتم ذلك وفق معايير معينة، فتُوضع كمية من الماء في وعاء على قدر الحاجة، ويتم تسخينها لدرجة معينة ونقوم بوضع "العدس الصّحيح" أي الذي لم يتم جرشه، أيضاً تُوضع الكمية بحسب الحاجة، وبما يتناسب مع كمية الماء الموضوعة، وننتظر فترة من الوقت حتى يُطهى "العدس" بشكل جيد، نقوم بإضافة "البرغل"، أيضاً بالكمية المتناسبة مع "الماء والعدس" وننتظر قليلاً حتى يبدأ الماء بالتبخر، ولا يبقى إلا القليل منه نقوم بإضعاف الموقد الحراري إلى أقل ما يمكن، ونقوم بتغطية وعاء الطبخ بوعاء آخر يمنع البخار من الخروج فترة من الوقت، حتى يكون الماء قد نشف، ونكون حصلنا على أكلة "مجدرة" مميزة، وبعد الانتهاء نقوم بـ"تقلية الطبخة" أي تسخين كمية من زيت "الزيتون" لدرجة معينة، ونقوم بسكبها فوق "المجدرة" وتحريكها حتى يصل الزيت إلى كل أنحائها حيث يُعطيها نكهةً رائعةً ومميزة».

علاء العاصي

ويقول الباحث "مصطفى سماق": «الأكلات الشعبية في منطقة "أريحا" معظمها أكلات متصلة بالتراث الشعبي، الذي يحكمه الواقع الاجتماعي من جهة، والواقع المادي من جهة أُخرى، ولكون سكان منطقة "أريحا" مزارعين، فهم يأكلون مما يزرعون ويلبسون مما يصنعون، فكانت معظم أكلاتهم مرتبطة بالواقع الزراعي القائم، وكان من أهم هذه الأكلات التي عُرفت بين كل فئات المجتمع هي "المجدرة"، والتي تعتمد اعتماداً أساسياً على المواد الزراعية، التي تُنتجها حقول المزارعين، والتي هي "الحنطة والعدس"، وبالتالي زيت "الزيتون" الذي يضاف لها بالنهاية، إضافة إلى أن ما يحكم وجود أكلات كهذه، عامل آخر مرتبط بالأوضاع المادية التي كانت سائدة، والتي يميل معظمها للقلة وعدم الرخاء المادي، كما يوجد عامل آخر وهو عامل ديني ساد في فترة من الفترات، اعتمد التقشف والزهد في جميع النواحي الحياتية، "المأكل والمشرب والملبس" بعيداً عن الرفاهية والبذخ الاجتماعي».

الحاجة فضيلة
مصطفى سماق