«أكثر ما يُكتب في القصة القصيرة جداً هو اعتداء على هذا الفن وتشويه له». «من أدب الأطفال أستطيع أن أركب القطار، وأمضي إلى طفولتي البعيدة القريبة، لألاعب ذلك الطفل الذي كان يوماً أنا»، والكلام للقاص والشاعر "نجيب كيالي"، و"كيالي" هو واحد من أدباء "إدلب" امتاز أدبه بخفّة الظل، فرسم البسمة على الشفاه.

موقع eIdleb التقى الأديب "كيالي" وكان الحوار التالي:

  • أنت حصدت العديد من الجوائز أذكر آخرها الجائزة التي حصلتَ عليها في شعر الأطفال، ماذا يعني لك ذلك؟
  • نجيب كيالي مع أنيس بدوي

    ** الفوز ممتع آنياً، ولو كان على مستوى لعبة الورق أو طاولة الزهر، فكيف بجائزة أدبية؟! لقد فرحتُ عندما بلغني أن مجموعتي الشعرية (طفل ونافورة) نالت المرتبة الثانية في مسابقة أنجال الشيخ "هزّاع" بدولة الإمارات العربية المتحدة في دورتها /العاشرة/ عام/2006/ نعم.. فرحتُ، وربما شعرتُ أن فوق رأسي ريشة، فتعبي لم يذهب هدراً، غير أن مشاعري هذه لم تدم سوى يومين، ثلاثة، فسرعان ما تساءلتُ كم طفلاً سيترك كرةَ القدم، وألعابه الإلكترونية، ويقرأ مجموعتي؟، وكم طفلاً قد يرغب بقراءتها، وهو غير قادر على شرائها؟ وهكذا تغير الحال، وكأن فرحتي كيس مملوء بالماء نزل فيه مسمار!.

  • بماذا تختلف مجموعتك (طفل ونافورة) عن الشعر الذي كُتب للأطفال؟
  • ** إنها- رغم فوزها- مجرد محاولة للاقتراب من عالم الصغار، فإذا قرأها بعضهم وأحبوها، فمحبتهم جائزتي الحقيقية.

  • كتبتَ القصة، والقصة القصيرة جداً، وقصة الطفل، والشعر الساخر، ماذا تقول عن كل جنس من هذه الأجناس؟
  • ** أقول: إنها جميعاً أدوات للبوح والتعبير عن الجمال والغضب والألم، وبما أن ذات الكاتب تمر ببرازخ وأبراج كالكواكب، أو هي من طبيعة شباطية، أعني أنها تتغير حتى في اليوم الواحد كحالة الطقس في شباط، لهذا كله فقد تتقلب بين أجناس الأدب وألوانه بحثاً عما يلائم الحالة التي هي فيها، وأنا قد أجد نفسي أطوف كالفراشة في عالم البراءة، فأكتب قصة للطفل أو قصيدة له، وقد أجد نفسي شديدَ التوتر كقنبلة، فأكتب القصة القصيرة جداً، وقد أجد أني غامض مبهم كوادٍ يغطيه الضباب، فأكتفي بالصمت.

  • هل نستطيع أن نطمئن إلى ما يُكتب في مجال القصة القصيرة جداً، لا سيّما أنك تعتبر من المؤسسين الجدد لهذا النوع من القص الذي بدأ في /الستينيات/ من القرن السابق مع القاص المبدع "زكريا تامر"؟
  • ** أكثر ما يُكتب في القصة القصيرة جداً هو اعتداء على هذا الفن وتشويه له، وهذا الإنتاج المسف أعطى الفرصة لألسنة النقاد وأقلامهم أن تشن على هذا الجنس الأدبي الجميل حرباً قاسية، إن أغلبهم لم يكتف بمهاجهة التجارب الرديئة، وهذا أمر مؤسف يضيِّق الخناق حتى على التجارب الجيدة، فتجد نفسها في أجواء عدائية كمولود يرفض أبواه فكرةَ الإنجاب، فليس لديهما استعداد للحفاوة به مهما كانت مزاياه!.

  • ماذا قدَّم لك النقد على صعيد تجربتك في الكتابة إن كان هناك نقد حقاً؟
  • ** حظيتْ مجموعتي (ميت لا يموت)، وهي قصص قصيرة جداً صادرة عن وزارة الثقافة عام /1996/ بقدر ما من المتابعة النقدية، وأذكر هنا أسماء بعض النقاد الذين استفدتُ من ملاحظاتهم "سمر روحي الفيصل"، "نضال الصالح"، "أحمد جاسم الحسين"، كما أنني أستفيد كثيراً من ملاحظات الأصدقاء النقدية التي يقدمونها لي في جلساتنا الخاصة التي تشبه صالوناً أدبياً بعيداً عن البهرجة والشكليّات.

    أما حال النقد العامة فهي – كما أرى- لا تسرّ، وتوضيحاً أقول: لقد بات نقادنا في أحد الوضعين التاليين، إما أنهم تحت المكيفات يتسلون (بطق الحنك)، أقصد ترديد نظريات النقد الغربية، وغالباً ما يتحدثون عن نظريات الغرب بعد موتها، وهذا الفريق يشبه المتاجرين بجثث الموتى، وإما أنهم، وهؤلاء أصحاب الوضع الثاني، غارقون في حالة يمكن تسميتها بـ(السمسرة) النقدية، فهم يسوِّقون بعضَ الأسماء، ولا سيّما الأنثوية منها، لأهداف ليس الأدب من بينها!.

  • من الملاحظ أنك بدأتَ تكتب قصة الطفل بالتوازي مع أدب الكبار أو بعد ذلك بقليل، ومن مجموعاتك للأطفال (الطبل المثقوب)،(سعدو)،( أميرة السكَّر)، ماذا أغراك باختيار هذه المغامرة، أي الكتابة لأطفالنا؟
  • ** اسمح لي أن أقتبس إجابتي من حوار سابق مع جريدة تشرين. "إنَّ الأديب لا يختار نوع أدبه كما يختار نوع ألبسته، وربما كان الصواب أنَّ الأدب هو الذي يختار الكاتب، ويوجهه إلى جنس من أجناسه بطريقة أكاد أصفها بأنها ( ديكتاتورية أو شبه ديكتاتورية)، ومع إدراكي لما سبق يمكن أن أتلمّس بعض الأسباب لاهتمامي بأدب الطفولة".

    من أدب الأطفال أستطيع أن أركب القطار، وأمضي إلى طفولتي البعيدة القريبة لألاعب ذلك الطفل الذي كان يوماً أنا، ألاعبه، وأواسيه، وأعوَّضه عن حرماناته الكثيرة. هل في هذا نوع من الذاتية والأنانية؟ ربما.

    من أدب الأطفال يمكنني أن أتواصل مع الطفل الآخر، طفل اليوم الذي أراه، رغم (بهارج) الرفاهية، لم يصل إلى كل ما يحتاج إليه، خاصة في مسألة الثقافة، وتواصلي غايته المساهمة في تزويد هذا الطفل بالطاقة الروحية أو الداخلية التي تجعله قادراً على أن يحيا بشكل أسعد.

  • من أدب الأطفال أنطلق إلى الطفل الوطني الذي هو صانع المستقبل أو هو المستقبل، وأحاول أن أسيِّجه، وأحصِّنه ضد موجات الغزو التي تستهدفه في عقر روحه، وأخلاقه، وانتمائه.

  • من أدب الأطفال أخيراً أخفق بأجنحتي لأطير إلى ملكوت المعاني غير المغشوشة، الحب، البساطة، السماحة، المرح التي أجدبتْ منها حياة الكبار المادية الاستهلاكية.

  • ماذا تقول فيما يقدَّم للطفل من قصة وشعر؟ وما دور المؤسسات الثقافية الرسمية؟
  • ** من الصعب إصدار الأحكام القاطعة على تجارب الآخرين، غير أنني أقدِّم مجرد انطباع، فأقول: انطلق أدب الأطفال في سورية انطلاقة قوية حقيقية في /ستينيات/ الألفية الماضية، وكان يبشر بازدهار أكثر مما وصل إليه الآن، وبعض التجارب تراوح في مكانها، بعضها توقف، بعضها تراجع متأثراً بحالة المجتمع العربي الذي يبدو وكأنه (باص) وضع غيار السرعة على الـ( الأنارييه)، وراح يكرج إلى الوراء! المؤسسات لها دور، لكنّه متواضع، وأحياناً تحتاج لاستعمال المجهر حتى تراه! إن ثقافة الأطفال وثقافة الكبار أيضاً تعانيان من روماتيزم المفاصل، ومن أمراض كثيرة أخرى، وعلى القادرين والغيورين أن يفعلوا شيئاً من أجلهما.. شيئاً حقيقياً قبل فوات الأوان.

  • هل تعتبر نفسك كاتباً ساخراً، ولا سيّما أن محافظة "إدلب" قدَّمتْ للقارئ العربي كاتباً من أهم كتَّاب السخرية هو "حسيب كيالي"؟
  • ** نعم إنني ساخر في جزء كبير مما أكتب، وتتراوح سخريتي بين الأسلوب الذائع الذي ينتقد (الكاركتر)، ومظاهر الحالة، فيبعث الضحك، وبين الأسلوب الأنضج كما يمكن أن أسمّيه حيث تتجه السخرية إلى جوانب داخلية، فتثير التأمل لدى القارئ، وتترك على شفتيه ابتسامة لا أكثر، وقد أجمعُ بين هذين النمطين، غير أنني وإن كنتُ معجباً بالمعلم "حسيب كيالي"، معترفاً بفضله العظيم، فأنا لا أكتب السخرية لأكون من مدرسته، ولا أكتبها لأنّها رتبة يتفوق بها كاتب على آخر، كما يظن بعض عشاق السخرية، إنني أستعملها لأنها الأقدر على نقل مواجعي ومراراتي.

    *هل تقصد أنك ترد بالسخرية على صفعات الحياة؟

    ** الحياة في الأصل جميلة ولا تصفعنا، لكن هناك من يتدخل ويصفعنا من خلالها، وأنا عندما أسخر لا أسعى إلى الثأر، فأرد على الصفعة بمثلها. لو كان ذلك هدفي لصار الأدب شيئاً يشبه نادي الملاكمة (بوكس) من الدنيا، و(بوكس) مني! إنني أسخر لأقول أنا موجود، وأشير إلى البؤر العفنة والطحالب والحيتان التي تمركزتْ هنا وهناك، والهدف في النهاية استنهاض الإرادة العامة للتخلص من كل ذلك، والسير بالإنسان إلى جنة الحب والفرح.

  • بعد مجموعتيك: (ميت لا يموت)، و(لساني أكله القط)، وهما من أدب الكبار.. هل لديك جديد للقارئ؟
  • ** لدي أكثر من جديد للقرَّاء من الجيلين، وقد يكون الكتاب الأسرع صدوراً – كما أتمنى- هو قصص قصيرة جداً للكبار بعنوان (إمبراطورية أكياس النايلون)، إنني متلهّف دوماً لتقديم أجمل ما عندي للقارئ العزيز، ويكفيني أن يكون لديه جزء من لهفتي يقرأ بها ما أقدّمه إليه.

    من الجدير بالذكر أن عن الأديب "نجيب كيّالي"، من مواليد "إدلب" /1953/، إنتاجه تنوّع بين أدب الكبار والصغار، وكتابة الشعر.