«ليس البصر كل شيء للإنسان والكمال لله وحده، فمن لم يُحرم نعمة البصر حُرم غيرها، وصحيح أني حُرمت البصر والنظر إلى الأشياء والكون من حولي بجماله وألوانه، لكن كثيراً من النعم والعطايا قد وهبني إياها الله تعينني على أن أكون فرداً له من الإمكانيات ما يؤهله ليتميز في محيطه». بكلماته تلك وضح "عبد القادر كاشور" طالب السنة الثانية في قسم اللغة العربية في كلية الآداب الثانية بـ"إدلب" في لقائه مع موقع eIdleb العزيمة التي يحملها في قلبه على مواجهة الشدائد ومضيّه في إكمال تعليمه الجامعي متخطياً العقبة التي رافقته وهي البصر.

يروي "عبد القادر" كيف استطاع التغلب على إعاقته والوصول إلى التعليم الجامعي قائلاً: «حملت أمي هموم تربيتي وتعليمي منذ الصغر في حين أن والدي كان رافضاً لذلك ومسلّماً بالقضاء الذي رزقه طفلاً كفيفاً وتحدت والدتي الكون لأجلي فعندما كنت في الخامسة حفظت سوراً كثيرةً من القرآن، ثم انتسبت إلى مدرسة "حلب" لتعليم المكفوفين في الصف الأول والثاني ومنها إلى "دمشق" في المدرسة النموذجية لتأهيل المكفوفين فدرست الصف الثالث حتى الصف السابع وتعلّمت كيفية التعامل مع إعاقتي وكتابة الحروف النافرة بلغة "برايل".

هديتي لأمي هي أن أدعو لها أن يحفظها الله من أي مكروه وتبقى النبع الذي لا ينضب حناناً ومحبةً لأبنائها

ثم قدمت إلى "إدلب" ودرست في مدرسة الشهيد "فاتح السيد" وحصلت على الشهادة الإعدادية بمجموع /210/ درجات وهذه الدرجات حصلت عليها بمساعدة إدارة المدرسة والمدرسين والجهد الذي بذلته والدتي، ففي كل يوم كانت تخصص من وقتها أربع ساعات لقراءة الدروس لكي أكتب واجباتي بالطريقة التي أستطيع بها استرجاع المعلومات (برايل)».

يستخدم هاتفه المحمول

وأضاف قائلاً: «انتسبت إلى الثانوية الشرعية بـ"إدلب" عام /2005/ وتقدمت إلى امتحان الشهادة الثانوية الفرع الأدبي مع الأحرار عام /2007/ وحصلت على مجموع درجات /151/ بعد طي علامة التربية الدينية وتقدمت إلى قسم اللغة العربية عن طريق المفاضلة المباشرة الخاصة بالمعوقين وفي ذات العام تقدمت والدتي إلى امتحان الشهادة الثانوية وحصلت على مجموع الدرجات الذي يؤهلها لدخول قسم اللغة العربية وكل ذلك حرصاً منها على إتمام تعليمي الجامعي، وهي الآن طالبة في السنة الثانية».

وعن نشاطه الاجتماعي وما يميزه عن زملائه قال: «لو كنت مبصراً لما كنت رزقت الكثير من النعم وأهمها هو حب الناس لي ومساعدتي في جميع الظروف وكل طلبة الجامعة يحبونني كما أن ذاكرتي لا تخونني وخاصة عند استخدام الهاتف المحمول حيث أستطيع طلب الأرقام وتخزينها بسرعةٍ تفوق سرعة أي مبصر (وهذا ما تمت ملاحظته)، كما أنني وُهبت صوتاً جميلاً وأعمل مؤذناً في المسجد الواقع بجوار منزلي، كما أنني أستطيع تمييز الأصوات فعندما يتكلم أحد زملائي أستطيع معرفته من صوته وأنا أعيش أجمل الأيام بمحبة من حولي وبنعمٍ وافرة مقابل نعمة البصر».

مع أصدقائه في الكلية

ولعل الطبيعة الاجتماعية لـ"عبد القادر" غرست في قلوب طلبة الكلية جميعاً محبته، فالطالب "محمد رجب" قسم اللغة الإنكليزية قال: «هو مثال الصديق الوفي الذي يحب زملاءه في الكلية وخارجها فدائماً نتبادل الزيارات المنزلية مع زملائنا ولا تشكل له إعاقته أي قيد في علاقاته الاجتماعية».

والدة "عبد القادر" تصور أسمى معاني التضحية التي تبذلها الأم في تقديم حياتها أمام ابنها الكفيف بكلماتٍ رافقتها دموع الفخر والاعتزاز بشبلها قائلةً: «منذ ولادة "عبد القادر" حرصت أن يكون طفلي مميزاً بين الجميع، سهرت الليالي، ورافقته في كل محطات دراسته أملاً بحصوله على الشهادة الجامعية وهذا الحلم أصبح في متناول يديه الآن، ولن أبخل بتقديم عمري في سبيل رؤيته ضمن الكادر الإداري لكلية الآداب».

أصدقاء عبد القادر

وفي عيد الأم لم تكن هدية "عبد القادر" لأمه ككل الهدايا حيث قال: «هديتي لأمي هي أن أدعو لها أن يحفظها الله من أي مكروه وتبقى النبع الذي لا ينضب حناناً ومحبةً لأبنائها».

يشار إلى أن "عبد القادر كاشور" من مواليد "كفرتخاريم" عام /1988/ ويسكن في مدينة "إدلب" حرصاً منه على المضي في الطريق الذي رسمه ووالدته.