هو أحد أبرز الوجوه الثقافية في مدينة "حلب" في مجال العلوم الفلكية حيث شارك في العديد من المؤتمرات العلمية الفلكية المحلية والدولية وإليه يعود الفضل الأكبر في تأسيس اللجنة الفلكية في نقابة المهندسين بحلب.

موقع eAleppo التقى المهندس "محمد مجد الصاري" الذي تحدث بدايةً عن الظروف التي ساهمت في تعلّقه بالفلك وعلومه قائلاً: «لقد سحرتني صفحة السماء منذ طفولتي فنقاء الجو وصفاؤه في ريفنا الجميل يمنح المرء رؤية مختلفة للسماء، وما زلت أتذكر أولى المعلومات الفلكية المتعلقة بالنجوم التي أخذتها عن جدتي /أم والدي/ في مدينة "أرمناز" مثل درب التبانة /المجرة التي ننتمي إليها/ ونجمة الصباح /كوكب الزُهرة/ والثريا /تجمّع نجمي يقع في برج الثور/ والميزان /كوكبة الجبار/ حيث كانت جدتي تعرف بها الوقت في الليل وكان ذلك مسألة في غاية الروعة».

أتمنى أن نستطيع إقامة مرصد فلكي في مدينة "حلب" لكي يكون محفزاً لدراسة علم الفلك وانتشاره بين كافة فئات المجتمع، كما أتمنى إقامة قبة فلكية /بلاتيناريوم/ فيها وذلك أسوة بالدول المجاورة /لا أقول الدول المتقدمة/ لأنها تساعد بشكل كبير وبشكل عملي في تعليم الجيل وتنمية قدراته العلمية ما يؤدي بالنهوض بالمجتمع، فبالعلم وحده تتقدم الشعوب وترقى وترى النور وتزيح الجهل

وأضاف: «أذكر أنه في شهر رمضان وعند الاستيقاظ على السحور /كان الناس ينامون مبكراً ثم يستيقظون على السحور قبل الفجر بساعة أو نحو ذلك/ كانت جدتي تطلب مني أن أنظر إلى السماء من منطقة في أرض الدار بعيدة عن شجرتي الليمون والكباد وعن أشجار الرمان ودالية العنب لأرى كوكبة الجبار ومقدار علوها في السماء وأعود فأخبرها لكي تقرر ما إن كان أوان السحور قد حل لتناول الطعام أو إن الوقت قد أصبح متأخراً وعلينا أن نصوم النهار التالي بلا سحور /طبعاً راديو الترانزستور كان موجوداً وكان يمكن الاعتماد عليه/ ولكن مراقبة السماء كانت متعتي الحقيقية ولا يمكن تجاوزها.

المشاركة في المخيم الفلكي العربي السابع /2010/

لقد استمر اهتمامي بعلم الفلك من خلال المطالعة وكذلك من خلال قراءة الكثير من المقالات في مجلة العربي الكويتية ومن حسن الطالع أنني درست الهندسة الكهربائية التي ساعدتني كثيراً على فهم بعض من أسرار هذا العلم، وبعد تخرجي في كلية الهندسة الكهربائية بجامعة "حلب" وانتسابي إلى نقابة المهندسين التقيت مجموعة من الزملاء المهتمين بعلم الفلك وتداعينا إلى إنشاء لجنة تهتم بعلوم الفلك وكان قرار مجلس فرع النقابة بحلب إنشاء اللجنة الفلكية في العام 1987».

وعن أهداف اللجنة الفلكية قال المهندس "محمد مجد الصاري": «لقد سعت اللجنة الفلكية منذ تأسيسها إلى تحقيق مجموعة من الأهداف هي: نشر الثقافة الفلكية بين جماهير المهندسين وأسرهم وذلك عن طريق إقامة المحاضرات والندوات والتذكير بالعلماء العرب وبأهم إنجازاتهم في العلوم بشكل عام وبعلم الفلك بشكل خاص والتعريف بعلم الفلك الحديث وعرض أهم إنجازاته ومحاربة الخرافة المرتبطة بالتنجيم وبيان رأي العلم بذلك وإقامة ليالي الرصد الفلكية للتعريف بنجوم السماء وبأهم التجمعات النجمية وكيفية الاستفادة من علم الفلك العملي ورصد الظواهر الفلكية مثل المطر النيزكي والكسوف الشمسي والخسوف القمري ورصد الأهلة وتحديد بداية الشهور القمرية نظرياً وعملياً والتعاون مع المنظمات الشعبية.

المشاركة في الندوة العالمية لتاريخ العلوم عند العرب /2008/

وأقامت اللجنة الفلكية عدة دورات فلكية تعليمية حضرها عدد كبير من الزملاء المهندسين ومن غير المهندسين حيث تكون الدعوة عامة لحضور كافة فعاليات اللجنة الفلكية».

وحول ماهية علم الفلك قال: «يُعتبر علم الفلك من أقدم العلوم التي عرفها الإنسان وهو يضم جميع العلوم تقريباً مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء والعلوم الهندسية وحتى الفلسفية ويدرس علم الفلك كل شيء يقع خارج الغلاف الجوي للكرة الأرضية إذ يتناول دراسة الكواكب والنجوم والمجرات والشهب والنيازك وكذلك المادة غير المرئية في الكون وذلك من حيث أحجامها وأبعادها وحركتها وسرعتها وتركيبها المادي.

لقد تطور علم الفلك عبر التاريخ البشري الطويل وحفظت لنا الرُقُم /الألواح الطينية المكتوبة باللغة المسمارية/ التي تركها لنا البابليون أسس علم الفلك وسأذكر هنا بعضاً من إنجازات البابليين في علم الفلك: ميّز البابليون بين النجوم والكواكب السيّارة وأطلقوا على كل كوكب اسم آلهة من آلهتهم مثل المشتري /مردوك/-زحل /نينيب/- المريخ /نرجال/- الزُهرة /عشتار/- القمر /سن/- عطارد /نابو/- الشمس /شمش/.

ورسم البابليون مسار الشمس الظاهري وكذلك مسار القمر بشكل دقيق وعرفوا حادثتي الخسوف والكسوف ووضعوا جداول تبين ذلك وحددوا تاريخ الانقلابين الشتوي والصيفي وكذلك الاعتدالين الربيعي والخريفي وقسّموا دائرة فلك البروج /المسار الظاهري للشمس/ إلى اثني عشر برجاً وأطلقوا عليها أسماءها المعروفة اليوم حيث قسموا دائرة البروج إلى 360 درجة وأعطوا لكل برج 30 درجة أي 12 قسماً متساوياً، كما أوجد البابليون التقويم القمري واعتمدوه لحياتهم حيث قسّموا السنة إلى اثني عشر شهراً وكل شهر إلى أربعة أسابيع وذلك وفقاً لأوجه القمر وعرفوا السنة الكبيسة وكانوا يزيدون فيها يوماً على شهر، كما اخترعوا الساعة المائية والمزولة الشمسية لقياس الوقت فقسّموا اليوم إلى 12 ساعة وأوجدوا نظاماً للعد مؤلف من 60 رقماً».

وتحدث عن تطور مسيرة علم الفلك قائلاً: «وضع البابليون بكل جدارة واقتدار اللبنة الأولى في بناء الحضارة الإنسانية ثم تابع الإغريق مسيرة العلم ولاسيما علم الفلك ثم عاد العرب المسلمون لحمل مشعل الحضارة مرة أخرى واكتسب علم الفلك في العصر العباسي طابعاً رياضياً وفيزيائياً وتم لأول مرة في التاريخ فصل علم الفلك عن التنجيم إذ اعتبر الدين الإسلامي التنجيم من الأعمال المحرّمة والفلك من العلوم التي شجع على دراستها والاهتمام بها، ومعلوم لدى الجميع إشارات القرآن الكريم الكثيرة إلى قضايا فلكية إضافةً إلى أسباب خاصّة دعت المسلمين للاهتمام بعلم الفلك وهي القضايا الشرعية المتعلقة بالعبادات مثل اتجاه القبلة وبداية الشهور القمرية والصلاة وغيرها.

امتدت الفترة التي سطع فيها نجم العرب الحضاري قرابة ستة قرون أعطت دفعاً كبيراً لعلم الفلك خاصّةً إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ العلماء في الدولة العربية الإسلامية كانوا ينتمون إلى أممٍ مختلفة لا رابط بينها إلا الدين واللغة، ولعب بيت الحكمة في بغداد والذي يُعتبر بحق أول أكاديمية علمية بحثية في التاريخ وبالمعنى الحديث لهذه المصطلحات دوراً مركزياً في بروز علماء كبار تعجز الكلمات عن وصفهم فلم يكتفوا بالنقل والترجمة عن اليونان والهنود وإنما أخضعوا كل ذلك إلى النقد والتمحيص والتدقيق والتصحيح وتميزوا بالأمانة الشديدة فلم ينسبوا علوم غيرهم لأنفسهم بل أعطوا كل ذي حقٍ حقه، لقد بنى العلماء العرب المراصد وصنعوا الآلات الفلكية الدقيقة ليقترن العلم النظري بالعلم العملي التجريبي ويعد الخليفة المأمون 813 – 833م أول موجهٍ وراعٍ للحركة العلمية في ذلك العصر.

وفي القرن العشرين حصل تقدم علمي مذهل في كافة ميادين المعرفة وكان لعلم الفلك الحظ الأوفر حيث غزا الإنسان الفضاء ونزل على سطح القمر ويعد العدة الآن لإرسال رحلة مأهولة إلى كوكب المريخ وأعتقد أنّ ذلك سوف يتم خلال عقد من الزمن على أبعد تقدير.

وحول أهمية علم الفلك للإنسان قال: طبعاً علم الفلك من العلوم المفيدة جداً للبشرية حيث استطاع هذا العلم الإجابة عن كثير من الأسئلة الكبيرة التي حيّرت الإنسان منذ وجوده على هذه الأرض فقد بين علم الفلك كيف نشأ هذا الكون /نظرية الانفجار الكبير/ كما بيّن تركيب النجوم وكيفية إطلاقها للطاقة وكيف نشأت وكيف تموت /نهاية الشمس مثلاً/ وبيّن علم الفلك أيضاً اتساع الكون وحجمه وكيف أنه آخذ في الاتساع ووضع تصوراً عن نهاية الكون وأجاب عن أشياء كثيرة أيضاً تتعلق بحياة الإنسان بحاضره وبمستقبله في هذا الكون العظيم».

وختم بالقول: «أتمنى أن نستطيع إقامة مرصد فلكي في مدينة "حلب" لكي يكون محفزاً لدراسة علم الفلك وانتشاره بين كافة فئات المجتمع، كما أتمنى إقامة قبة فلكية /بلاتيناريوم/ فيها وذلك أسوة بالدول المجاورة /لا أقول الدول المتقدمة/ لأنها تساعد بشكل كبير وبشكل عملي في تعليم الجيل وتنمية قدراته العلمية ما يؤدي بالنهوض بالمجتمع، فبالعلم وحده تتقدم الشعوب وترقى وترى النور وتزيح الجهل».

يُذكر أنّ المهندس "محمد مجد الصاري" هو من مواليد مدينة "أرمناز" في العام 1958 وحاصل على البكالوريوس في الهندسة الكهربائية من جامعة "حلب" في العام 1984 ولديه حالياً مكتب خاص للدراسات والاستشارات الهندسية وهو رئيس اللجنة الفلكية في نقابة المهندسين بحلب- عضو الجمعية السورية لتاريخ العلوم عند العرب- عضو الجمعية الكونية السورية- عضو في جمعية العاديات بحلب، صدر له مؤخراً كتاب بعنوان /استيعاب الوجوه الممكنة في صنعة الاصطرلاب/ وهو عبارة عن دراسة وتحقيق مخطوط للعالم الكبير "البيروني"، شارك في العديد من المؤتمرات العلمية الفلكية المحلية والدولية وكان آخرها الندوة العالمية التاسعة لتاريخ العلوم عند العرب التي عُقدت في دمشق 2008 والمخيم الفلكي العربي السابع 2010 وألقى مجموعة كبيرة من المحاضرات في نقابة المهندسين وجمعية العاديات والجمعية الكونية السورية والعديد من المراكز الثقافية.