«الأب ذهب وما عاد، والزوج والابن، ولما ذهبوا لحق بهم البصر». بكلماتٍ قليلة جمعت المعمرة "جميلة بعجر" من قرية "بسامس" رحلة /96/ عاماً من الشقاء وفقد الأحبة عندما التقاها موقع eIdleb فقالت:

«"عمر الشقي بقي"، لم يكن والدي الذي سيق إلى "السفر برلك" يعلم أن ابنته الوحيدة التي لم يمض على ميلادها سوى شهرين ستتجرع ألوان العذاب والشقاء، والدي ذهب إلى الحرب ولم يعد، وكذلك والدتي التي آثرت الزوج على ابنتها لتوكل تربيتي للعم الذي حفظني ورعى صباي حتى أصبحت في سن الثالثة والعشرين، أرادني أن أكون عروساً لابنه ذي /13/ عاماً، وتم ما أراد لتبدأ المعاناة الأخرى مع الزوج، أنجبت ولدين ذكر وأنثى، وعندما أصبح ولدي في ريعان شبابه هاجر ليترك لي الدموع والذكريات الجميلة، ويسلب مني البصر لكثرة البكاء».

حتى وقتٍ قريب، كانت جدتي تسكن بمفردها في منزلها الصغير، وتقوم على قضاء حاجاتها بنفسها، تقوم وتزور جيرانها، وتجلس إلى نساء القرية يتبادلن الأحاديث، تميز أبناء القرية، وتصلي وتصوم يومي الاثنين والخميس بشكلٍ متواصل، لكن حالتها الصحية أخذت بالتراجع نتيجة ذكرياتها المؤلمة ورحيل ولدها، فلا تنطق إلا باسمه، وتراجع بصرها نتيجة البكاء أدى لعدم استطاعتها العيش بمفردها في المنزل، لذلك نعتني بها، ونساعدها في قضاء حاجاتها

وعن أيام صباها قالت: «أيام الاحتلال الفرنسي كنا مطاردين، نمضي الأيام في الجبال، نجمع أعواد "السلبين" لنأكلها حتى نطفئ الجوع، وفي أيام الرخاء كنا نعصر العنب بأرجلنا ثم نأكل الدبس، نترك المؤونة ونبيع ما تبقى من الدبس، أيام فقرٍ أسود في ظل حكم "الآغوات"، أما الحصاد فنذهب إليه قبل صياح الديك لنعود مع الغروب، "الزوّادة" المؤلفة من رغيف خبز الشعير وبصلة، وفي أحسن الأحوال حبة من البندورة "العدي"، نستريح لنأكلها ثم نعود إلى العمل، شهران نمضيهما تنقلاً بين حقل هذا وذاك، لكسب مالا يسد الرمق في نهاية كل يوم، وفي الشتاء نجلس إلى "التفية" لنتقي البرد، وفي النهار نخرج إلى الحقول لجمع القش و"الجلّة" حتى نستطيع تدفئة أجسادنا في الليلة المقبلة، أيام الشباب حافلةٌ بالصعاب، لكنها تبقى أجمل الأيام لأن ما كنت أفقده يعوضه وجود الرجل والولد، لكن الحياة بدونهما لا طعم لها».

جميلة بعجر

حفيدها "جميل بعجر" قال: «حتى وقتٍ قريب، كانت جدتي تسكن بمفردها في منزلها الصغير، وتقوم على قضاء حاجاتها بنفسها، تقوم وتزور جيرانها، وتجلس إلى نساء القرية يتبادلن الأحاديث، تميز أبناء القرية، وتصلي وتصوم يومي الاثنين والخميس بشكلٍ متواصل، لكن حالتها الصحية أخذت بالتراجع نتيجة ذكرياتها المؤلمة ورحيل ولدها، فلا تنطق إلا باسمه، وتراجع بصرها نتيجة البكاء أدى لعدم استطاعتها العيش بمفردها في المنزل، لذلك نعتني بها، ونساعدها في قضاء حاجاتها».

يشار إلى أن "جميلة بعجر" من مواليد قرية "بسامس" عام /1913/.

حفيدها جميل بعجر