إضافة إلى إتقانه التكلم بخمس لغات فإنه يجيد العزف على آلة العود وبطريقة غريبة حيث إنه يقلبه ويعزف بيده اليسرى دون أن يغير مواضع الأوتار مما أذهل المطرب الخليجي الشهير "ميحد حمد". يتدواله أهالي "سراقب" في أحاديثهم وسهراتهم لكثرة مواهبه وحضور بديهته وقدرته على اختراع النكتة حتى في أحلك ظروفه.

"محمود الفارس" لا يستاء أبداً من لقبه "العكوش" بل ينادي نفسه به، ولكن كيف تأتّى لـ"العكوش" أن يتقن خمس لغات تعتبر من اللغات الصعبة وربما الصعبة جداً؟ هذا ما أجاب عليه في لقاء eIdleb معه بتاريخ 28/2/2009 قائلاً: «أمضيت في دولة الإمارات العربية المتحدة أربعة عشر عاماً، لم أعد بعدها بالكثير من المال، ولكن عدتُ بالكثير من المعارف أهمها إتقاني لخمس لغات حية إضافةً إلى قدرتي على الحديث بكل اللهجات العربية الدارجة بين شعوب المنطقة من المحيط إلى الخليج، فأنا عراقي في "العراق"، مغربي في "المغرب"، خليجي في "الخليج".

لم أعتبر اللغة مجرد مفردات وجمل ولا حتى وسيلة للتخاطب وحسب، ولكنها بوابة العبور إلى حضارات وثقافات لمعرفة واكتشاف مجاهيل الشعوب وخصوصياتها. اعتبرني قمت بجولة سياحية مطولة شملت قسماً كبيراً من أرجاء المعمورة من خلال معرفتي لهذه اللغات

البداية كانت من مكان العمل، فكان غالبية المراجعين من الهنود والباكستانيين، ولكونهم لا يتقنون سوى لغاتهم الأم كان لا بد لي من تعلم لغتهم، هذا ما أملته الضرورة ولقمة العيش.

محمود الفارس مع أسوم الغجرية

تعلمت لغة "الأوردو" في غضون ثلاثة أشهر، ساعدني في ذلك "الفرّاش" الهندي حيث كنا نقضي ثماني ساعات يومياً، و"الأوردو" هي لغة معظم الشرق آسيويين، الأمر كما أراه لا يتعلق فقط بتعلم لغة ما وإتقانها بل يتعداه إلى الغوص في فكر وثقافة وحضارات تلك الشعوب، هذا ما كان مثيراً ومغرياً، استطعت التعايش معهم بشكل حقيقي بعد أن تعلمت لغتهم وفهمت نفسياتهم وكيف يفكرون».

ويتابع "العكوش" حديثه عن تعلم اللغات بالقول: «أما "الروسية" فتعلمتها بعد انهيار "الاتحاد السوفييتي" السابق وتدفق قوافل "الروس" على دولة الإمارات العربية، منهم كتاجر حقيبة ومنهم كمستثمر وآخرين بقصد العمل. أيضا اضطرني عملي حيث كنت في هذه الفترة مديراً للعلاقات العامة لدى مجموعة شركات مختصة في مجال الشحن والتخليص- للتعامل والاحتكاك المباشر مع الوافدين الجدد فكان لا بد لي من تعلم اللغة "الروسية"، وهذا ما حصل فعلاً، ما أثار دهشتي هنا، وبعد الولوج إلى عوالمهم الخاصة، الاختلاف الكبير الذي لاحظته بين شعوب ما كان دولة واحدة، من حيث الثقافات والعادات والتقاليد ما بين غربي مغرق في تحرره، وشرقي موغل في تحفظه ولو شكلانياً.

السيد محمود الفارس

ساعدني في تعلم اللغتين السابقتين معرفتي وإجادتي للإنكليزية فهي القاسم المشترك بين شعوب العالم، وأنا مدينٌ لها فأثناء تعلمي للغات الأخرى كانت "الإنكليزية" هي المعين لي حيث كنت أخلط المفردات التي تعلمتها من "الأوردية" و"الروسية" مع "الإنكليزية" لأتوصل إلى مرادي في فهم الجملة أو التعبير، ومع تكرار الحديث وإغناء الذاكرة بالمزيد من المفردات والجمل والتراكيب وصلت إلى الإتقان الكامل لتلك اللغات.

هذا ما تعلمته في غربتي من لغات. أما "التركية" فتعلمتها قبل سفري، كان ذلك في عقد الثمانينيات حين حصلت على قبول جامعي في تركيا فكان أمراً بديهياً أن أخضع لدورة لغة أتقنت خلالها "التركية"، مع العلم أنني كنت أعرف القليل منها قبل سفري والمر يعود لإتقاني للغة "الغجر" التي تحوي كثيراً من المفردات التركية، طبعا تعلمي للغة "الغجر" يعود لاحتكاكي المباشر معهم في "سراقب"، كنت شاباً ناشئاً آنذاك وكنت أستغرب وجود أناس في بلدتي يتحدثون لغة غير العربية، فدفعني فضولي لتعلم لغتهم».

العكوش صاحب الهوايات المتعددة

"محمود الفارس" مدجج بالقصص والحكايات، ولكن فيما يتعلق بلغاته التي تعلمها وأحبها، هل بقيت وحُفظت حكاية في أرشيفه أم أفاد منها في حياته العملية؟ توجهت بسؤالي هذا له فأجاب: «أذكر أنه منذ عدة سنوات سكن في مدينتنا عمال وفنيون ومهندسون باكستانيون قاموا بتوصيل خط التوتر الرابط مع تركيا والذي يخترق أراضي محافظة "إدلب"، ولقي هؤلاء صعوبة كبيرة حينما نشأت مشكلة بينهم وبين رب العمل ومنفذ المشروع، حيث تبين أنهم تعرضوا لعملية احتيال من قبل الوسيط الباكستاني الذي أوفدهم، فتركوا العمل وأصبحوا يعيشون على معونات أهالي "سراقب" لأنهم لا يملكون شيئاً وما من أحدٍ يوصلهم لحقوقهم، هنا تدخلت بينهم وبين رب العمل وسيطاً، واستطعت بفضل الله أن أحصل كثيراً من مستحقاتهم، وهكذا تابعوا عملهم حتى تمام إنجازه، وحين تعرض فريقٌ منهم لحادث سير كنتُ معينهم ووقفت إلى جانبهم بحكم أنني الوحيد في المنطقة الذي أجيد لغتهم الأم».

وختم "العكوش" قائلاً: «لم أعتبر اللغة مجرد مفردات وجمل ولا حتى وسيلة للتخاطب وحسب، ولكنها بوابة العبور إلى حضارات وثقافات لمعرفة واكتشاف مجاهيل الشعوب وخصوصياتها. اعتبرني قمت بجولة سياحية مطولة شملت قسماً كبيراً من أرجاء المعمورة من خلال معرفتي لهذه اللغات».

من الجدير بالذكر أن "محمود الفارس" من مواليد مدينة "سراقب" 1963. طار من مدرج كلية "الحقوق" بـ"حلب" وهو في عامه الدراسي الثالث إلى دولة الإمارات العربية ليعود بعد أربعة عشر عاماً متسلحاً بكل هذه المعارف والمهارات، التي يقول أهالي "سراقب" بأنها جزء يسير فقط مما يملكه "محمود".