متكئاً على "العكاز" الذي يحمل معه أعباء تسعين عاماً من الجهد والشقاء وذاكرة الشباب المتّقد بالحيوية والرعونة استقبلنا في ساحة منزله القديم والبسمة التي رافقت وجهه طوال 45 عاماً أمضاها مختاراً لقرية "المغارة" لا زالت مرتسمةً على وجهه وهو يحمل "الغليون" صديقه المفضل الذي لم يفارقه منذ أيام الصبا.

الحاج "مصطفى الرفاعي" هو ذاكرة القرية والمرجع لأهلها بخبرته الطويلة ويمثل ذاكرةً غير قابلة للنسيان رغم ما رسمت السنين من آثار بدت على وجهه وعلى قوامه، وفي حديثه لموقع eIdleb بتاريخ 19/11/2008 تحدث الحاج "مصطفى" عن نشأته ونسبه قائلاً: «تعود أصولنا إلى "مصر" فجدي هاجر إلى هنا واستقر ولم تكن لديه قطعة أرض لكي يُدفن فيها وكذلك حال والدي الفقير الذي أورثني بعض المال الذي جناه والذي لا يكفيني لمدة شهر وكان عليّ أن أشق طريقي بنفسي حيث إن الحصاد كان مصدر العمل الوحيد الذي نستطيع من خلاله العمل فكنت أذهب إلى منطقة "العلا" (حوالي 70كم) سيراً على الأقدام لأحصد بقوت يومي حيث كانت أجرة اليوم 35 قرشاً كان همّي الوحيد أن أعمل وأجمع المؤونة التي تساعدني في قضاء أيام الشتاء».

كانت المؤونة مؤلفة من قسمين الأول للمعيشة وهو القمح والطحين والثاني للتسلية وهو "الزبيب" و"الدبس" والتين المجفف

وعن أصناف المؤونة التي كان يعيشون عليها في تلك الأيام يقول: «كانت المؤونة مؤلفة من قسمين الأول للمعيشة وهو القمح والطحين والثاني للتسلية وهو "الزبيب" و"الدبس" والتين المجفف». أما عن حياته وأصدقائه فقال: «كانت نتيجة عملي أن أصبحت من كبار الملاّك في القرية وأحد كبارها وواحداً من أعيان جبل الزاوية حيث عاصرت كلاً من "مصطفى حاج حسين" قائد ثورة جبل الزاوية و"أبو عدلة" أحد كبار المجاهدين وكبار القرى مثل "محمد عبد الرحمن مراد" و"حبوش لاطه" و"عارف الطاهر" و"أحمد دربالة" حيث كنا نجتمع في سهرات الشتاء تجمعنا حكايات "الزير" و"الزناتي" و"أبو زيد" و"دياب" و"السلطان حسن" وكنا نلعب الألعاب الشعبية المشهورة آنذاك مثل "الخاتم" و"السكمبيل". وفي مواسم الحصاد كنا نخرج لمساعدة بعضنا وننصب حلقات الدبكة ونردد العتابا والميجنا وكنت أقص الحكايات الشعبية وملاحم الأبطال في كل يوم».

يشار إلى أن الحاج "مصطفى" يحفظ كل تلك القصص غيباً ويُعَد موسوعة أدبية حيث يحفظ أكثر من ألف بيت شعري لشعراء الجاهلية تتحدث عن المعارك والحروب كما يحفظ الكثير من العتابا التي لا زال يرددها وما زالت باقيةً محفوظةً داخل موسوعة لا تعرف النسيان.