بعد صراع كبير مع الزمن متحديا كل الظروف والسنين بقوته التي حافظ عليها من خلال عمله المتواصل في الأرض والزراعة لكن وبعد كل ذلك كان لا بد لظروف الحياة أن تترك أثرها.

إنه المعمر "محمود علي قرمو" الذي يناهز عمره المائة وثلاثة عشر عاماً ومع ذلك مازال يقوم ببعض الأعمال الزراعية في حديقة بيته ويتدبر أموره بنفسه.

لا أعرف أسمائهم جميعا إلا إذا انتسبوا أي إذا قالوا لي هم أبناء من أو أحفاد من مِن أولادي

موقع eIdleb زاره ببيته في "كفر كيلا" في 12/8/2008 في الجبل الأعلى المحاذي لمدينة "كفرتخاريم" من الجهة الشرقية. كان جالساً بصحبة ابنه علي الذي يناهز عمره الثمانين عاما في حديقة بيته التي انفرج ثغرها على ساحة يحيط بها عدد من الأشجار والورود. ولما اقتربت منه وقف منتصبا ً تأملت وجهه المليئ بالأخاديد التي حفرها الزمن وحاجباه الكثيفان وعيناه الغائرتان كضوء في كهف عميق. وبعد مصاحفته جلست بجانبه وقال بلهجته العامية «أهلا وسهلا يا ابني» وسألته عن عمره وذكريات الماضي الطويل فأجابني قائلاً: « ولدت عام /1895/ وربما عام /1893/ حسب "القوجان" (الهوية)، لا أدري في أيامنا كان تسجيل النفوس عشوائي هذه الأيام الطويلة أذكرها بتفاصيلها. أذكر حرب السفر برلك (الحرب العالمية الأولى) كما أذكر دخول الاستعمار الفرنسي إلى سورية وأتذكر ثورة الزعيم المجاهد "إبراهيم هنانو" بتفاصيلها، لم ألتحق بالثورة لكن كنا جميعا نمدها حسب الإمكانيات المتاحة وأعرف عدد منهم وكان على رأسهم صديقي المجاهد "عقيل الإسقاطي" كما كنت في "إنطاكية" عندما سلم الفرنسيون "لواء الإسكندرون" لـ"تركيا"».

وعن عائلته والجو الأسري الذي يعيش فيه قال: « قال توفت زوجتي عام /1986/ ولي منها أربع أولاد ذكور وخمسة إناث أنجبوا لنا ما يقارب /160/ من الأبناء والأحفاد تقريباً جميعهم يزورني» ثم ضحك وقال:«لا أعرف أسمائهم جميعا إلا إذا انتسبوا أي إذا قالوا لي هم أبناء من أو أحفاد من مِن أولادي». وأضاف الجد قائلا : « كنت مختارا لقرية "كفركيلا"، كما أنني أحب الأرض والعمل فيها فأنا منها وبها سأدفن ولم أنقطع عن عملي في الأرض إلا منذ ثلاث سنوات وسبب انقطاعي عن العمل الزراعي ليس كسلا بل بسبب وقوعي من أعلى الشجرة وهذا ما أضعف همتي وأبعدني عن المحراث والثور والبذار».

وتابع الجد "محمود" متحدثا عما يحبه من الطعام قائلاً: « أعتمد في طعامي على منتجات أرضي وحيواناتي التي أقوم بتربيتها ومن المأكولات التي أفضلها (الكبة النية والحلويات ومشتقات الحليب والتين والعنب)». مضيفاً أنه يحب أن تكون المجالس التي يحضرها يعمها الفرح والسرور إضافة إلى أنه يحب سماع المواويل وإلقاءها حيث أطربنا ببعضها كما أنه لا يحب البؤس فهو دائم الإشراق و الابتسام والمرح حيث قال أنه لو لم يكن ذلك متصفا بالصفات التي ذكرها لما بقي إلى هذا العمر محافظاً على قوته وهمته.