شرفته المطلة على الشارع، هي نافذته على العالم، ومنبت الإرادة والتصميم لديه. أحبَّ الحياة وأثبت أنّ الإعاقة الجسدية (الشلل الدماغي) لن تمنعه من الوصول إلى أعلى منصات التتويج، فأصبح بطلاً للجمهورية عدة أعوام بعدة رياضات.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 14 آب 2020 البطل الرياضي "عباس سلوم" ليحدثنا عن تجربته، قائلاً: «مضت أيام طويلة وأنا أرى العالم من شرفة منزلي، بسبب عجزي عن الخروج من المنزل، ورؤية الشارع والحياة عن قرب، حتى أتيحت لي الفرصة بالذهاب للنادي "العمالي" لممارسة الرياضة، فأحسست أن الحياة عادت إلي عندما بدأت ممارسة رياضة ألعاب القوى ورفع الأثقال، عشت أسعد لحظات حياتي عندما كنت أرافق الفريق خارج المحافظة لأشارك في البطولات، حيث كنت أمضي أوقاتاً ممتعة رفقة أصدقائي، وأقوم يومياً بالتواصل معهم، وقد سعدت جداً بفوزي بالعديد من البطولات، حيث أصبحت مركز فخر لعائلتي. مارست العديد من الرياضات، وكان النادي يأخذنا برحلات، في ظلّ دعم عائلتي الكبير وتشجيعها، وكان الاتحاد الرياضي ونادي "السلام" في نهاية كل عام يقومان بتكريمنا ومنحنا شهادات تقدير وهدايا، وألتقي خلال هذا اليوم بأصدقائي، فأحببت الحياة، وازدادت ثقتي بنفسي».

"عباس" يعني كل القيم الإنسانية، وهو مبعث الأمل لكل زملائه، وممن يأتينا من اللاعبين الجدد، وخصوصاً بتحديه إعاقته وتصدره الدائم للمركز الأول على مستوى "سورية"، نرى في الرياضة وسيلة لدمج أصحاب الإعاقات في المجتمع وإخراجهم من عزلتهم، وتفجير الطاقات الكامنة الهائلة لديهم، ليصبحوا أعضاء منتجين، وليسوا عالة على المجتمع، حيث دخل "عباس" ذو إعاقة وهو الآن بطل يتصدر منصات التتويج، وقد جاب أغلب المحافظات مع نادي "السلام" وتعرف عليها

"مريم المحمد" تحدثت عن تجربتها مع ولدها "عباس"، قائلة: «ولد "عباس" وشقيقته "كوثر" وهما يعانيان من شلل دماغي، فكنت أمضي أيامي بالحزن والبكاء، توفيت "كوثر" خلال الأزمة نتيجة مرض عضال، وبقي "عباس" حبيس المنزل.

رئيس نادي السلام غسان أبو صلاح برفقة عباس

تعرفت على "خليل زيود" عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد الرياضي في "حمص" عام 2004 عندما رآني رفقة "كوثر" نسير في الشارع وهي تتكئ على ساعدي، فنصحني بأخذها إلى النادي "العمالي" الرياضي، بهدف تدريبها، فحدثته عن "عباس"، فسارع في اليوم التالي لإرسال مجموعة من الشبان ومعهم كرسي، وقاموا بأخذه إلى النادي، وإعادته للمنزل، وكانت هذه أقصى طموحاتي، بأن يخرج من عزلته، وطلبوا منا تزويده بعكازات لمساعدته على السير، ما عزز ثقته بنفسه، وأصبحت لديه القدرة على الذهاب إلى النادي، كنت أصحبه بداية إلى الملعب البلدي، حيث نادي "السلام" الرياضي لأصحاب الإعاقات المختلفة، ومنه انطلق للمشاركة ببطولات الجمهورية بلعبة القوة البدنية، وألعاب القوى ورمي الرمح والقرص والكرة الحديدية، ومن خلال مشاركاته تعززت ثقته بنفسه، وأصبح يذهب منفرداً إلى نادي "السلام"، ويشارك بالبطولات المختلفة، فزار أغلب لمحافظات، وحقق بطولات وجوائز عديدة».

وتناول تجربته أخوه "سالم العباس"، قائلاً: «من خلال ذهابه لنادي "السلام"، وتعرفه على الفريق، لمس الاهتمام الكبير من الإدارة والمدربين، وكان لتشجيعهم المستمر، ومعالجته بالدعم النفسي، والمعالجة الفيزيائية، والتقائه مع رفاقه ممن لديهم إعاقة، انعكاس في تحسين وظائفه العقلية والحركية، وحتى في طريقة نطقه، حيث أصبحت لديه القدرة على التعبير عن أفكاره، كان لديه أسرة أخرى في النادي، دفعته للتكلم بطلاقة ليتواصل مع رفاقه، فوصل لمنصات التتويج، وحصل على بطولة الجمهورية برفع الأثقال بفئة وزنه، وألعاب القوى بفئته الوظيفية لأكثر من عام، ولم تتردد العائلة بدعمه وتشجيعه».

خلال إحدى مشاركاته بالبطولات

رئيس نادي "السلام" للمعوقين "غسان أبو صلاح" قال: «بدأت معرفتي بــ"عباس" عام 2004، مع أخته "كوثر"، وعند حضورهم إلى النادي، فوجئنا بدرجة إعاقة الأخوين، وهي شلل دماغي "رنحي"، ولكن أذهلتنا همته العالية ومحبته للحياة، وخصوصاً عندما رأى جو النادي، وتعرف على إعاقات أخرى، فاندمج بالحياة الاجتماعية، وأحب الرياضة، وأصبح لديه أصدقاء من المعوقين إناثاً وذكوراً.

بدأنا معه بالتدريبات الرياضية، وهي بمثابة علاج فيزيائي بالنسبة لإعاقته، وقمنا بإقناعه بضرورة استخدام العكازات التي تعمل على تقوية عضلات يديه وكتفيه، وسعينا لزيادة لياقته البدنية، فكانت بداية تدريباته في النادي "العمالي" بألعاب الرمي، ثم أصبح التدريب مقسماً بين النادي "العمالي" والملعب "البلدي"، وكانت أول مشاركة له في بطولة ألعاب القوى ورفع الأثقال، حسب وزنه، وحصل فيها على المركز الأول على مستوى الجمهورية عام 2006 في "دمشق"، ومن خلال مشاركاته كانت تتحسن أرقامه، وهكذا تكررت مشاركاته ليكون بطل الجمهورية لفئة الشلل الدماغي من عام 2006 حتى 2011، حيث توقفنا عن النشاط بسبب الحرب، ثم عدنا واستأنفنا نشاطنا، وعاد "عباس" للمشاركة عام 2016، ليتصدر المركز الأول على مستوى القطر في ألعاب القوى».

وتابع: «"عباس" يعني كل القيم الإنسانية، وهو مبعث الأمل لكل زملائه، وممن يأتينا من اللاعبين الجدد، وخصوصاً بتحديه إعاقته وتصدره الدائم للمركز الأول على مستوى "سورية"، نرى في الرياضة وسيلة لدمج أصحاب الإعاقات في المجتمع وإخراجهم من عزلتهم، وتفجير الطاقات الكامنة الهائلة لديهم، ليصبحوا أعضاء منتجين، وليسوا عالة على المجتمع، حيث دخل "عباس" ذو إعاقة وهو الآن بطل يتصدر منصات التتويج، وقد جاب أغلب المحافظات مع نادي "السلام" وتعرف عليها».

يذكر أنّ اللاعب "عباس سلوم" من مواليد "حمص" عام 1972.