"تدمر" هي إحدى أهم المدن الأثرية عالمياً من حيث شهرتها ومكانتها، وتضم شارعاً رئيسياً سمي "المستقيم" تتفرع عنه عدة شوارع فرعية تؤدي إلى المباني الهامة، وإلى جانبه أقواس النصر بزخارفها المعمارية المميزة..

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 3 كانون الثاني 2014 الآثاري "عقبة معن" الذي تحدث عن تلك التفاصيل التاريخية للمدينة وقال: «تبعد مدينة "تدمر" مسافة 215 كم عن مدينة "دمشق" إلى الشمال الشرقي منها، وعلى بعد 150كم إلى الجنوب الغربي من نهر الصحراء، وظهرت أقدم تسمية للمدينة في المخطوطات البابلية التي وجدت في مملكة "ماري" السـورية على "الفرات"، وتعني باللغة الأمورية "بلد المقاومين" وبالآرامية السورية القديمة "البلد التي لا تقهر"، ارتفع شأن المدينة بعد أن أصبحت عاصمة لمملكة تعد من أهم ممالك الشرق القديمة "مملكة تدمر"؛ التي نافست "روما" وبسطت نفوذها على مناطق واسعة».

إن تصميم الشارع الطويل (الرئيسي) يعبر عن المعرفة الواعية التي كان يمتلكها المعمار التدمري للعديد من المبادئ الهندسية والفيزيائية والرياضياتية، إذ نلاحظ إدراك المهندس للنتائج المترتبة عن البعد اللامتناهي للشوارع المستقيمة؛ حيث تبدو ضيقة في نهايتها، فلجأ إلى أسلوب توجيه البصر إلى اليمين واليسار، إلى نقطة محددة وذلك عن طريق الأعمدة التي تحمل تماثيل لقادة "تدمر"

ويضيف "معن": «جرت العادة في الممالك القديمة أن يشيد كل إمبراطور أو قائد في المنطقة التي أخضعها لنفوذه وضمها إلى حكمه رمزاً وذكرى لانتصاره، ومن أكثر هذه العناصر شيوعاً هو قوس النصر الذي شيده حكم الإمبراطور "سبتيموس سيفيريوس" (193 - 211م) وهي فترة أوج ازدهار "تدمر"، حيث تمت فيها الأعمال العمرانية الكبيرة، وأخذت سمة أساسية من سمات العمارة الكلاسيكية، حيث يقع قوس النصر في "تدمر" عند النقطة الحساسة للنظام المعماري».

الآثاري عمار مهدي

وعن صفات القوس يقول: «يتألف القوس من مدخل رئيسي ومدخلين فرعيين والمداخل الثلاثة معقودة، لكن أوسعها وأكثرها ارتفاعاً هو المدخل الأوسط الرئيسي، ويعلو القوس تتويجة حجرية على شكل شبه منحرف استخدمها المعمار لتحقيق فكرته في المحافظة على استقامة الشارع الرئيسي، حيث يعالج بمهارة المشكلة التي نتجت بسبب تغيير اتجاه الطريق بمقدار 30 درجة لربطه بمعبد "بل" الضخم، كما زين المعمار القوس بحليات زخرفية رائعة جعلت منه قطعة معمارية وفنية تتوج الشارع وتخلق الإحساس بجماليته».

أما الخبير الآثاري "عمار مهدي" فيشير إلى أن المدينة تضم شارعاً رئيسياً طويلاً يقطعها من الشرق إلى الغرب ممتداً بطول 1250 متراً، وعرض 11 متراً، تتفرع عنه شوارع فرعية تؤدي إلى المباني الهامة مثل: المسرح والميدان العام ومعبد بعل شمين، ويتابع: «يحيط بالشارع من جانبيه رواقان محمولان على أعمدة ذات تيجان كورنثية، يبلغ عرض كل منهما سبعة أمتار، وكان هذان الرواقان مسقوفين وأرضيتهما مبلطة، أما قارعة الطريق فغير مبلطة وذلك تسهيلاً لمرور الإبل والخيول، ويمتد الشارع الطويل من المدخل الرئيسي لمعبد "بل" حتى بوابة "دمشق"، ويتألف من أربعة أقسام: الأول منها يمتد من بوابة المعبد حتى قوس النصر، وهو ذو طابع ديني لقربه من المعبد الكبير، والثاني يمتد بين القوس والتترابيل، والثالث يمتد بين التترابيل وهيكل الموتى، أما الرابع فيمتد حتى بوابة "دمشق"».

الشارع المستقيم في تدمر

ويضيف: «إن تصميم الشارع الطويل (الرئيسي) يعبر عن المعرفة الواعية التي كان يمتلكها المعمار التدمري للعديد من المبادئ الهندسية والفيزيائية والرياضياتية، إذ نلاحظ إدراك المهندس للنتائج المترتبة عن البعد اللامتناهي للشوارع المستقيمة؛ حيث تبدو ضيقة في نهايتها، فلجأ إلى أسلوب توجيه البصر إلى اليمين واليسار، إلى نقطة محددة وذلك عن طريق الأعمدة التي تحمل تماثيل لقادة "تدمر"».

يعود أقدم ذكر لمدينة "تدمر" باسمها الحالي إلى مطلع الألـف الثاني قبل الميلاد، ولا يعرف لهذا الاسم معنى مؤكد، على أنه من المنطقي والمقبول أن يكون اسمها قد اشتق من «دَمَر» التي تعني "حَمَى" في اللهجات العربية من لغات الجزيرة العربية القديمة، وقد تمت تسميتها باللغات الإغريقية واللاتينية واللغات التي تطورت عنهما باسم "بالميرا" المشتق من اسم النخيل.