دلت الكتابات المنقوشة على "المذابح التدمرية" بأنها نذرية مقدمة إلى "إله النبع"، وذلك طلباً للبركة ودوام نعمة المياه، وبعض هذه المذابح معروضة الآن في أروقة متحف "تدمر".

مدونة وطن "eSyria" التقت الأثاري "رامز علوان" بتاريخ 11 كانون الأول 2013 الذي تحدث عن موقع وتاريخ تلك المذابح وقال: «اكتشفت "المذابح التدمرية" عام 1947- 1948م على مقربة من نبع "أفقا" الأثري الذي يروي واحة "تدمر"، وساعدت النصوص المكتشفة إضافة إلى دراسة المكان الذي وجدت فيه على التوصل إلى استنتاجات عامة تشير إلى أن تلك المذابح كانت مكرسة لعبادة آلهة المجهول وعلاقته بالنبع الموجود في المنطقة».

تواجدت مجموعة من المذابح الصغيرة بحالة جيدة ومعظمها كانت تغطي القسم الغربي من مخرج النبع أي المغارة الرابعة والمساحة الواقعة بينها وبين الصخر المنحوت بشكل عمودي، وكذلك هناك مذابح أخرى جنوبي النبع ولكنها لم تكن في مكانها الأصلي

وأضاف: «تواجدت مجموعة من المذابح الصغيرة بحالة جيدة ومعظمها كانت تغطي القسم الغربي من مخرج النبع أي المغارة الرابعة والمساحة الواقعة بينها وبين الصخر المنحوت بشكل عمودي، وكذلك هناك مذابح أخرى جنوبي النبع ولكنها لم تكن في مكانها الأصلي».

الكتابات المكتشفة في المذابح.

أما الباحث "بشير زهدي" فتحدث عن المذابح والكتابات المرافقة لها وقال: «وضعت المذابح إلى جانب مجموعة الآثار الموجودة في "تدمر" وعلى أحدها وجدت الكتابة التالية: (إلى الذي اسمه مبارك إلى الأبد أقامه لأجل الشكر "مقيمو بن أوطقا" "افتيخس" لحياته وحياة أبنائه وأخيه في سنة 502) وبما أن 502 هي من بدء العصر السلوقي فيكون التاريخ 190م، وكلمة "الشكر" هي تعبير غامض لا يستخدم إلا إذا كان العمل وفاء لنذر ما، وهذا التعبير ظهر في نهاية حكم "ماركوس أوليوس" أي في العصر الذي تتكاثر فيه المذابح المكرسة لآلهة المجهول، كما أن أسلوب الكتابة هو أقرب إلى أسلوب بدء العصر الكلاسيكي أي نحو 100 منه إلى نهايته».

وتابع: «هناك كتابات أخرى جاء فيها: (ليتبارك اسمه إلى الأبد الرحمن أقامه لأجل الشكر "تيمرسو بن حيران بن زيدا" لحياته وحياة أبنائه في شهر آذار عام 517) أي 206م، وهذا التعبير "ليتبارك اسمه" ظهر في القرن الثاني، أما اسم "الرحمن" فإنه ظهر وحده بينما في كتابات أخرى نرى معه الصالح والطيب، وعلى مذبح آخر نشاهد الكتابة التالية: (ليتبارك اسمه إلى الأبد الصالح الرحمن أقامه لأجل الشكر ملك "ديماس" وأخوه وأهل بيته كلهم في سنة 529) أي 217م، وتعبير "بني بيته" يشير إلى عبادة إله المجهول، واسم "الرحمن" نراه مخصصاً للإله "بعل شمين"».

نبع أفقا الأثري

أما الدكتور "جورج حداد" فكتب في مجلة "الحوليات الأثرية" عن تلك المذابح وقال: «وردت على أحد المذابح العبارة التالية: (ليتبارك اسمه إلى الأبد الصالح والمعطي لأجل الشكر أمامه "ابن ابترحال" لحياته وحياة بنيه في شهر تشرين سنة 535) أي 223م، يلاحظ في هذا النص أن إله المجهول قد سمي المعطي بدلاً من الرحمن وهذه المرة الوحيدة التي أتت فيها تسميته على هذا الشكل، وقد يكون إله المجهول الذي أتى بعد إله "بعل شمين" قد اتخذ التسمية المستعملة له وهي "المعطي"، أو يجوز أن الذي أقام هذا المذبح هو من أصل عربي فاستعمل تلك التسمية المستعملة في البادية».

وتابع: «دلت المكتشفات الأثرية على وجود مذبح يعود إلى سنة 239م كتب فيه: (سنة 551 للذي اسمه مبارك أقامه لأجل الشكر للرحمن لأنه رجاء فاستجاب له "يرحاي بن شلمو" لحياته وحياة أبيه وأخيه وحبا) في هذه العبارة نلاحظ عبارة إلى الأبد محذوفة من "الذي اسمه مبارك" أما اسم "شلمو" فقد وجد على نصب جنائزي وهو شكل نبطي للاسم "تيمو"، بينما الشكل التدمري هو "شلما" واسم "حبا" نراه أحياناً مذكراً وأحياناً مؤنثاً، ونجد عبارة "رجاء فاستجاب له" على نحو عشرين مذبحاً لآلهة المجهول، وهناك مذبح بتاريخ 250م ورد عليه اسم زوجة صاحب المذبح وهو "عدا" ولم يرد في مكان آخر في "تدمر"، وقد ورد في التوراة اسم "عده" ويمكن مقارنته وأصل الكلمة "عدد" أي أصبح صديقاً ومنه آتى الاسم المعروف عند الساميين "عدايل"، ولكن أهم ما في كتابة هذا المذبح تسمية إله المجهول بـ"الرحمن وتيارا" أي الرحمن والحنون أو الرحيم وهذه الصفة الثانية "تيارا" أصلها من البابلية».

ويوضح "زهدي" أن "المذابح التدمرية" مرت بثلاث مراحل ويقول: «بالنسبة إلى المذابح الخمسة الأولى المؤرخة من عام 10 إلى عام 219 كان الإفريز له شكل زخرفة مقعرة في الجهة العلوية ومحدبة في الأسفل، وبعد خمسة عشر عاماً فإن المذابح من الفترة 1104 إلى 1175 تتميز بعدم وجود زخرفة ما، وكذلك في المذبح المجرد من الكتابة فالزخرفة لم تنقش، أما المذابح التي ترجع إلى الفترة 1176 التي تعود إلى الفترة 243- 244م، فإننا نرى زخرفة مقعرة في الجهة العلوية ومحدبة في الأسفل».