مكان واحد يروي قصة وتاريخ ممارسة مهنة الصيدلة في "حمص"، إنها "صيدلية الصحة" إحدى أقدم وأشهر صيدليات المدينة.

"بشار حسني" من أهالي "حي الحميدية" أحد مرتادي "صيدلية الصحة" عبّر عن رأيه في عراقة هذه الصيدلية بالقول:

تأسست "صيدلية الصحة" في عهد الانتداب الفرنسي، وتحديداً في العام 1943 وقد أسسها الدكتور "جمال السطلي" وتعتبر أقدم صيدلية في "حمص" مستمرة في العمل منذ تاريخ إنشائها، فقد كان هنالك عدد من الصيدليات في "حمص" أقدم منها، لكنها لم تستمر في العمل واضطرت للإغلاق لأسباب متعددة

«الكثيرون في "حمص" يعرفون "صيدلية الصحة"، ولكن معظم هؤلاء لا يعرف أي شيء عن أهميتها التاريخية الصيدلانية بالنسبة للمدينة، أرى من الضروري إبراز هذا التاريخ الصيدلاني، وذلك بعرض الأدوات الصيدلانية التي كانت تستخدم قديماً في "حمص" في عمليات تحضير الدواء، وعرض الأدوية والعقاقير القديمة التي ساهمت في الحد من الأوبئة والأمراض التي كانت شائعة في "حمص" بالنصف الأول من القرن العشرين، وذلك بتخصيص مكان بارز لها ضمن الصيدلية لكي يراها كل الناس».

الأستاذ الدكتور "يوسف الشامي" وقوارير الدواء القديمة

العديد من الأطباء عرفوا "صيدلية الصحة" ومنهم الدكتور "غازي مصري كوسى" الذي حدثنا عنها فقال:

«تضم محافظة "حمص" المئات من الصيدليات المتطورة والضخمة، ولكن من يريد أن يتعرف على تاريخ الصيدلة في "حمص" فعليه زيارة "صيدلية الصحة"، لأنها تعتبر من أمهات الصيدليات في "حمص"، ومن يدخل إليها يرى مراحل تطور مهنة الصيدلة، فأنت ترى الميزان القديم البدائي، وترى بنفس الوقت الميزان الإلكتروني الدقيق، كما يمكن للباحث وللمهتم أن يشاهد فيها أقدم العقاقير والأدوية التي كانت تستخدم في "حمص" في منتصف القرن العشرين والتي لم تعد موجودة اليوم، لذلك أعتبر أن "صيدلية الصحة" تحمل قدراً تاريخياً لا يمكن الاستهانة فيه».

صيدلية الصحة من الداخل

موقع eHoms زار "صيدلية الصحة" الواقعة في "حي الحميدية" وتعرف من أصحابها عليها وعلى تاريخ دخول الصيدلة وممارستها في "حمص"، وأول من التقيناه صاحبها الأستاذ الدكتور "يوسف الشامي" الذي حدثنا عن تاريخ هذه الصيدلية فقال:

«تأسست "صيدلية الصحة" في عهد الانتداب الفرنسي، وتحديداً في العام 1943 وقد أسسها الدكتور "جمال السطلي" وتعتبر أقدم صيدلية في "حمص" مستمرة في العمل منذ تاريخ إنشائها، فقد كان هنالك عدد من الصيدليات في "حمص" أقدم منها، لكنها لم تستمر في العمل واضطرت للإغلاق لأسباب متعددة».

المعدات الصيدلانية القديمة التي كانت تستخدم في "حمص"

وأضاف "الشامي": «تعتبر "صيدلية الصحة" من حيث الطراز نموذجاً للشكل الأول للصيدليات في سورية، وقد تعاقب عليها ثلاثة من الصيادلة أولهم الدكتور "جمال السطلي"، ثم الأستاذ الدكتور "واصل الفيصل"، وأخيراً اشتريتها منه في عام 1971.

وقد مرت "صيدلية الصحة" بعدة مراحل خلال سنواتها، حيث كانت صيدلية بدائية في مطلع أربعينيات القرن الماضي، وشيئاً فشيئاً تطورت إلى شكلها الحالي الحديث، وقد مر عليها أيضاً الكثير من الأحداث التي لعبت فيها هذه الصيدلية دوراً مهماً، وأبرزها الحد من انتشار بعض الأمراض في "حمص" كمرضي السل والتيفوئيد، كما لعبت دوراً هاماً أثناء "حرب تشرين التحريرية" في المساهمة بتزويد الجيش العربي السوري بمختلف الأدوية والمستلزمات الصيدلانية بشكل مجاني وطوعي».

يعتبر الأستاذ الدكتور "يوسف الشامي" من أقدم الصيادلة في "حمص"، يحمل في ذاكرته الكثير عن تاريخ الصيدلة فيها وعن ذلك يتحدث:

«كان علم الصيدلة في "حمص" علماً متواضعاً في بدايات القرن العشرين، وفي أربعينيات القرن الماضي كان تعداد الصيدليات في "حمص" لا يتجاوز ست صيدليات، وكانت "صيدلية الصحة" واحدة منها، كانت الأدوية حينها تركب يدوياً بواسطة أساليب وأدوات ومواد كيميائية وصيدلانية قديمة، وهذا واضح من خلال الأدوات المخبرية الموجودة في مخبر "صيدلية الصحة" حالياً.

وكان في كل صيدلية في "حمص" سجل كبير خاص بتركيب الأدوية ومعاييرها، ويسجل فيه اسم الطبيب واسم الدواء وطريقة ومعايير تركيبه، ومعظم الأدوية كانت تحضّر في مخبر الصيدلية فالأدوية قديماً كانت مقتصرة عموماً على المراهم والشرابات..

وفي مطلع السبعينيات من القرن الماضي بدأت تظهر الأدوية الجاهزة بشكل كبسولات والتي كانت تفيد في معالجة بعض الأمراض، ثم بدأت تظهر معامل الأدوية التي حدّت من عملية تركيب الأدوية في صيدليات "حمص".

وإلى يومنا الحالي نقوم في الصيدلية بتركيب بعض الأدوية التي لا تتوافر في الأسواق، ولكن نتبع طرقاً وأساليب صيدلانية حديثة، وبواسطة أدوات مخبرية معاصرة كالميزان الإلكتروني، لذلك نحن نعتبر أن عملنا في "صيدلية الصحة" هو امتداد متواصل منذ بدايات الصيدلة في "حمص" لم ينقطع حتى اليوم».

تقع "صيدلية الصحة" في قلب مدينة "حمص"، تحيط بها العديد من عيادات الأطباء، تقدم خدماتها لأعداد كبيرة جداً من المرضى، ومازالت محافظة على بنائها التراثي القديم، وعن ذلك حدثنا مديرها الصيدلاني "سامر الشامي" بالقول:

«تعتبر "صيدلية الصحة" نقطة علاّم عند أهالي "حمص"، فهي تقع في منتصف شارع "الحميدية" وهي قريبة من ساحة "الساعة القديمة" و"السوق المسقوف"، وهي ذات تصميم تراثي لأنها مبنية من الأحجار السوداء التي تشتهر بها مدينة "حمص"، بقيت على طرازها وبنائها القديم دون أي ترميم حتى العام /2009/ حيث قمنا بترميمها وتنظيف أحجارها لإظهار الطابع التاريخي لها.

وللصيدلية عدد من الأقسام، أقدمها المخبر الذي كان يستخدم قديماً لتركيب الأدوية، وتوجد فيه إلى الآن الأدوات القديمة وقوارير الدواء القديمة، ونحن الآن نحاول أن نحافظ على هذا التراث الذي يربط حاضر الصيدلية بماضيها العريق».