حرفة قديمة عرفها الإنسان منذ فترة بعيدة وكانت في البداية حرفة بسيطة وعفوية، وبالتدريج تطور تعامل الإنسان معها فأضاف إليها التحسين شكلاً ومضموناً، ما جعل الفن والجمال يأويان إليها، ليصل بعضها إلى مصاف التحف الثمينة في قيمتها المادية والفنية.

"تراث شرقي" أو ما يعرف بمفروشات البيت القديم وأبوابه ونوافذه، تعود إلى الذاكرة من خلال أشخاص كانوا حريصين على إظهار جمالها وروعة بساطتها بأسلوب فني متميز تحيطه الخبرة وإتقان العمل.

على الحرفي أن يتقن عمله جيداً من أجل الخروج بعمل متفرّد مثله في ذلك مثل الفنان الذي يجب أن يتمكن من أدواته لينتج عملاً فنياً راقياً

موقع eHoms التقى الحرفي "عبد الخالق السلقيني" محترف هذه المهنة والملم بكل تفاصيلها، وفي ورشته المتواضعة والمفعمة بروح التراث الشرقي صمم أعماله ببراعة، ورشاقة، وانسيابية، وجمال تجعلها بليغة الحضور في الفراغ بأشكالها وألوانها وسرعان ما تستدعي إلى ذاكرتنا البصرية الأشكال والألوان التي كانت تسكن بيوتنا الريفية وتُعيد إلى مخيلتنا عبق الأمس ورائحة التاريخ وعطر الطبيعة عبر رائحة الخشب الممزوجة بالحياة.

وفي بداية حديثنا يقول السيد "عبد الخالق": «على الحرفي أن يتقن عمله جيداً من أجل الخروج بعمل متفرّد مثله في ذلك مثل الفنان الذي يجب أن يتمكن من أدواته لينتج عملاً فنياً راقياً».

وعن البدايات له في هذه المهنة يقول: «كانت المهنة الأساسية لوالدي تتركز في صناعة المفروشات الخشبية والمعدنية وكنت منذ الصغر ملازماً له في عمله حيث كنت أقوم برسم العديد من الأشكال الهندسية على الورق في محاولة منّي لأضع تشكيلات ومجسمات جديدة تدخل نمطاً جديداً على هذه الصناعة.

كان عمري وقتها خمس عشرة سنة وكانت محاولاتي كثيرة لأنجح في تطبيق الأمور المميزة على الخشب والمعدن، وفي عام /2005/ ومن خلال تنفيذ تصميم إعلاني لإحدى المنشآت التجارية كانت نقطة البداية لي في العمل الشرقي المحترف، فالتصميم الذي قمت بتنفيذه ينغمس في التراث الخشبي الشرقي».

وكان ذلك واضحاً بين أرجاء ورشته حيث المكان ضاق بما يحوي من أعمال متميزة تُدخل الدهشة لمن يراها وتشعر بعمق الإبداع الذي يتميز به صانعها.

وعن الأعمال التي يقوم بها "عبد الخالق" يقول: «أقوم بعمل أي شيء يتعلق بديكور الخشب والمعدن والأسقف والأبواب، كما أقوم بصناعة الفرش الذي يلائم الطبقة دون الوسطى فيما مضى- أثاث المنزل القديم- وأقتبس دائماً من الأماكن القديمة والأثرية وهذه الأماكن تعطي أصالة للعمل وتعيده إلى الزمن الذي كان يشغل به.

أما الوقت والجهد الذي يتطلبه إنجاز مثل هذه الأعمال فهو يختلف طبقاً لنوع العمل والتصميم المراد إنشاؤه حيث يخبرنا "عبد الخالق" عن ذلك قائلاً: يتطلب العمل مجهوداً فكرياً كبيراً بنسبة 80% ووسطياً يحتاج العمل إلى أسبوعين تقريباً ليكون جاهزاً للعرض أو الاستخدام».

ويضيف بحديثه لنا عن أسلوبه في العمل وتفضيله لأنواع الخشب قائلاً: «أقوم بالعمل على مختلف أنواع الأخشاب ولكنني أفضل التعامل مع الخشب القديم، فهذا النوع من الأخشاب ما زال يحتفظ بالتراث ورائحة التاريخ تعبق بداخله وهذا أهم ما في الأمر لذلك دائماً أبحث عن أخشاب قديمة تناسب الشكل الذي أريد تصميمه».

ولنكوّن فكرة عامة عن هذه الأعمال يطلعنا "عبد الخالق" بشكل موجز عن بعض مراحل العمل الذي يقوم به، حيث يقول: «بعد عملية التصنيع تأتي مرحلة التعتيق ثم التطعيم بالمعدن ومن ثم التزيين، وهذه المراحل تتضمن فترات فصل فيما بينها حيث تحتاج كل مرحلة إلى وقت لتفكير والتخيل لتشكيل عمل متميز عن غيره من الأعمال، ففي أعمالي كلها لا تجد عملين متشابهين، وربما يعود ذلك إلى أنني أعتمد في عملي على الأفكار السريعة التي ترد إلى ذهني وأقوم بإسقاطها على الخشب من دون تخطيط مسبق».

وفي ختام حديثنا يقول "عبد الخالق": «أمارس هذه المهنة كهواية أرضي بها طموحي، فهي من المقتنيات الجميلة، كما أنني أعتبرها دعما لتراث مدينة "حمص" وأسعى للتعمق أكثر في هذه المهنة».

الجدير ذكره أن الحرفي "عبد الخالق السلقيني" من مواليد "حمص" /1972/ يمارس هوايته في تصنيع التراث الشرقي في ورشته التي أسماها "باب شرقي" والتي أخذ تسميتها من التراث القديم وبوجه التخصيص من الباب الشرقي القديم بتفاصيله.