«في شارع "حافظ إبراهيم" وبالقرب من "المشفى العمالي" تقع "مكتبة علوان" المتخصصة بالكتاب التراثي والمعاصر، مكتبة عامرة بالكتب، ممتلئة بالتراث الفكري لمختلف الاتجاهات الأدبية والفلسفية والدينية ولكل راغب في العلم، لتكون إحدى المنارات الثقافية المتميزة بتاريخها العريق، هذه المكتبة التي كانت منتدى لروادها يتحدثون فيها بمختلف شؤون العلم وقضايا الكتب لتتلاقى الهوايات والاتجاهات، فصاحب اللغة يتأثر بصاحب التاريخ، وصاحب التاريخ يتأثر بهاوي الأدب».

هذا ما تحدث به صاحب المكتبة السيد "بسام علوان" وتابع قائلاً: «يعود تاريخ تأسيس المكتبة إلى منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، حيث قام والدي المرحوم "أحمد علوان" بتأسيسها وذلك لكثرة اهتمامه بالقراءة، حيث بدأ بتحويل متجره الصغير من محل خاص لبيع البقالة، إلى المكتبة التي حرص على أن تجمع نمط الكتب التراثية، والأدبية، والدينية، وذلك في شارع "عمرو بن العاص" أو كما يعرف بشارع "بيت رجوب" المتفرع من سوق الحميدية، فكانت مكتبة صغيرة، واجهتها إلى الشارع، مدخلها بجانب واجهتها، باب ضيّق يتسع لدخول شخص واحد وخروجه، بمساحة لا تتجاوز تسعة أمتار مربعة، شغلت رفوف الكتب جدرانها كلها، وتكدس قسم منهم على سقيفة كانت تغطي نصف المكتبة».

وأعزي ذلك إلى غياب دور المربي في التوجيه، للأسف فقد تحول المربّي اليوم إلى موظف يتقاضى راتبه دون أدنى اهتمام بتوجيه الجيل إلى أهمية القراءة

وعن غاية إنشاء المكتبة يقول "علوان": «لم يكن هم والدي تجارة الكتاب، وإنما أن يتواجد الكتاب بمتناول الجميع، كان همّه نشر الثقافة، وكان يقوم باختيار الكتاب للقارئ ليتناسب مع ثقافته وميوله، كان دائماً يجلس في المكتبة، يقرأ، يتصفح، يستقبل زبائنه الذين لا يغيبون عنه، وزبائنه كلهم من المثقفين، مشاربهم مختلفة، وأهواؤهم متباينة، كلٌّ منهم به اتجاه مخالف للآخر، تجمعهم المكتبة، فيها يتعرف أحدهم على الآخر، ومنها يستقون زادهم العقلي والثقافي والأدبي، من مجلات ثقافية، وكتب لغوية، وأدبية، وفكرية، ما لا يجدونه مجموعاً في مكانٍ آخر.

جانب من الكتب التراثية

يتابع "علوان" معظم أصحاب المكتبات كان لهم ارتباط بالمكتبة، وكثيرة هي الشخصيات التي ارتادت المكتبة ومنهم: الأستاذ "عبد المعين الملوحي"، الأستاذ "رفيق الفاخوري"، الأستاذ "سمر روحي الفيصل"، الدكتور "حسان شمسي باشا"، الدكتور "عبد الإله النبهان" وآخرون».

وعن تجديد المكتبة وتغيير مكانها يوضح السيد "علوان": «هذا التغيير كان من أجل التوسع بالمكتبة، وساعدني على ذلك دعم المقربين لي من الأهل والأصدقاء، وحاولت الحفاظ على الكتاب التراثي بالإضافة إلى الكتاب المعاصر، لإكمال مسيرة والدي والمحافظة على ما بدأ به».

المكتبة من الخارج

وفي هذا المجال يقول المهندس "عماد غليون": «كنت أحد الأشخاص الذين ساهموا في دفع "بسام" لتجديد المكتبة، فكان لزاماً علينا أن ندعمه ونشجعه لمواصلة الطريق الذي بدأه والده، أضف إلى ذلك تزايد أعداد الكتب والمؤلفات وهي بدورها بحاجة لمساحة أكبر لتجمع كل ما يدخل إلى السوق من كتب جديدة، ناهيك عن الهدف الأساسي منها وهو نشر الثقافة بين الناس ومحاولة زيادة عدد القراء في زمن باتت فيه القراءة من نوادر العصر وهو ما نأسف عليه».

وحول حركة القراءة وتداول الكتب، يبين السيد "علوان" بأنه قديماً كان الاهتمام بالكتاب أكبر، فكنت تجد طلاب الجامعات يرتادون المكتبة لإجراء حلقات البحث، وذلك بتوجيه من مدرّسيهم، والآن هناك غياب كبير للقارئ، «وأعزي ذلك إلى غياب دور المربي في التوجيه، للأسف فقد تحول المربّي اليوم إلى موظف يتقاضى راتبه دون أدنى اهتمام بتوجيه الجيل إلى أهمية القراءة».

تنوع الكتب

فالكتاب مغيّب في حياتنا بسبب جهلنا بأهميته بالنسبة لتطوّر شخصيتنا، معظم الشباب يقرؤون بعد الصدفة أو التجربة مع القراءة، وبالتالي مع قدومه إلى المكتبة يبقى هناك نوع من التواصل.

ومن المهتمين الذين واظبوا على ارتياد المكتبة الدكتور "عبد الإله النبهان" الذي رثى المرحوم "أحمد علوان" في وفاته، فيقول: «كان دائماً يتواجد في المكتبة يقرأ بشغف، ويستقبل زبائنه بمودة واحترام، يجدون لديه كل ما يريدون، فلقد اعتاد زبائنه على التعرف على بعضهم بعضاً من خلال هذه المكتبة، على الرغم من الاختلافات التي تسودهم فهم في المكتبة يصبحون أسرة واحدة همها التزود بالعلم، وهذا فضل كبير للمرحوم "أحمد علوان" في ترسيخ فكرة الثقافة والتزود بالعلم من دون أي هدف مادي».