حمص واحدة من أكبر المحافظات السورية وأقدمها، فلا تكاد تذكر اسمها أمام أي مواطن سوري حتى يقفز إلى ذهنه مباشرة منظر حجارتها السوداء المرتصة بأناقة مشكلة جدران بيوتها القديمة.
مرورسريع في المدينة كفيل بأن يجعلك تشعر بما ساهم به المعمارييون الحمصييون في فرض بعض مظاهر العولمة على المدينة تحت شعار تحديث وعصرنة المدن، فإذا بالمدينة العصرية تشبه أي شيء إلا حمص الحقيقية!!ما استوقفنا في جولتنا في المدينة الحمصية القديمة بناء رخامي تربع مكان بيت عربي، تبهر الناظر إليه مهارة صنع البيوت العتيقة من الحجارة السوداء التي تميز مدينتنا الجميلة!
eHoms التقت السيد عزمي فركوح وهو صاحب منزل حجري قديم في حي المسدود وسألته عن سر احتفاظه بمنزله ذو الطابع الحجري القديم والذي مازال محتفظاً برونقه المميز فأجاب: "هذا المنزل مورث من جدي سعد الله فركوح، واعتدنا أن نجري له صيانة دورية ونرمم الأحجار التي أثرت فيها ظروف الزمان، ولن أستغني عن هذا البيت رغم العروض المغرية التي قدمت لي فهو يحمل لنا الكثير من الذكريات، وأنا كحمصي أفتخر بامتلاكي لمنزل مبني على هذا الطراز الحمصي الفريد".
أما السيد محمد الناعم الموظف في مديرية الآثار والمتاحف القسم التراثي لم يخف غيرته على الطراز المعماري القديم في المدينة وحجارتها السوداء وذلك في معرض إجابته عن سؤالنا حول رأيه في الأبنية الجديدة التي حلت محل القديم منها فقال لنا:"هذا الرخام الأبيض الذي اكتسح واجهات الأبنية هل هو أجمل من الحجر الأسود المرصع بالبياض؟ أم هو أمتن منه وأقسى؟ ماذا سيخسر المعماريون الحماصنة والمسؤولون عن نظام الأبنية في المدينة لو اكتست واجهات حمص بالحجارة السوداء؟ولماذا لا يتبعون نظام بناء موحد يعتمد على اللونين الأسود والأبيض. وليس بالضرورة أن يكون الحجر الأسود أصلياً بل يكفي الحفاظ على الهوية الحمصية باعتناق اللون الأسود للواجهات مزركشاً بالحجر أو الرخام الأبيض".
جولة قصيرة في أزقة المدينة قلبت مواجعنا لنتذكر حال النسيج العمراني المميز للنواة التاريخية لحمص الذي قضي عليه تقريباً نتيجة عمليات الهدم المستمرة والاكتساحات الجائرة عبر العقود الماضية والتي جعلت من تراث حمص يقتصر على مفردات معمارية موزعة هنا وهناك ضمن الأسوار. أبنية حمص فقدت هويتها وانتماءها فباتت خرساء فقدت ذاكرتها وارتباطها بالإنسان والمكان والزمان.. فرجاؤنا حافظوا على أم الحجارة السوداء.
