إذا كان الإنسان باختراعه الكهرباء استطاع أن يقهر الظلام إلا أنه وفي مواضع كثيرة نرى أن هناك ظلام لايمكن للإنسان قهره بالكهرباء لأن هذا النوع من الظلام التغيبي قد يسكن الإنسان المبدع والعالم والمثقف وفي أحيانٍ أخرى قد يتعدى الإنسان ليغيب معالم وأوابد أثرية هي شواهد على حضارته وتاريخيه.

وهذا التغيب هو مايعيشه اليوم "الجامع الكبير" في مدينة "الحصن" أحد معالم حضارتنا وتاريخنا، حيث يأتي هذا الجامع الذي يعود بناؤه إلى مايزيد عن/7/ قرون خلت ثانياً على خارطة "الحصن" الأثرية بعد قلعتها.

لانستطيع إخراج الناس من منازلهم لأنهم يملكون طابوا بها، وإخراجهم يستلزم دفع تعويضات لهم ومديرية الآثار والمتاحف فقيرة؟؟!!

أما على أرض الواقع فهو لايحتل لا المرتبة الثانية ولا الثالثة ولا حتى الأخيرة لكثرة ماتعرض له هذا الجامع من انتهاكات متلاحقة من قبل مواطنين غير واعين لقيمته الأثرية يقابلها أطنان من الطين وضعتها مديرية الآثار والمتاحف في أذنيها، والسؤال الذي يطرح نفسه أليس هناك أموال مخصصة لترميم الأبنية الأثرية؟؟!! أوليس هذا الجامع مصنف كبناء أثري ياترى؟؟، فلمَ إذاً لا يتم العمل على ترميمه بدلاً من تركه أم أن هناك؟!!!.

المحامي"خالد بيطار"

موقع eHoms زار هذا الجامع واطلع على واقع التهميش الذي يعيشه من خلال لقاء عدد من القائمين على وضعه.

المحامي"خالد بيطار" الباحث في تاريخ "الحصن" قال: «يعود بناء "الجامع الكبير" إلى مايزيد عن سبع قرون خلت وكان بناؤه في عهد الملك "الظاهر بيبرس"، ويقع "الجامع الكبير" اليوم شمال مدينة "الحصن" في "حارة السرايا" ولهذا الجامع ثلاث مداخل من الشرق والشمال والجنوب، والداخل له من بابه الشرقي يمكن أن يلاحظ وجود قبرين على يمينه ويساره هما قبر النائب الأول لمدينة "الحصن" "صارم الدين قايماز" الذي توفيَ سنة /693هـ/ والثاني على يساره هو قبر النائب الثاني لمدينة "الحصن" "علي بن سليمان قمري" الذي توفي سنة /705هـ/، ويضم الجامع عدة أقسام هي ("البيمارستان""الزاوية التعليمية"المكتب") وكان إنشاء هذه الأقسام الثلاثة الملحقة بالجامع في عهد نائب السلطنة المعظمة في"حصن الأكراد" "عبد الله الأشر في" وذلك سنة/717هـ/ كما تدل النقوش الكتابية».

لاحظ بناء المواطن"سبيع.ق" فوق الزاوية التعليمية

وينتقل بنا "بيطار" ليحدثنا عن المنارة التي يضمها الجامع حيث قال: «تم بناء هذه المنارة التي يبلغ ارتفاعها/18/م في عهد السلطان "ناصر الدين قلاوون" وذلك سنة/734هـ/، ويلف هذه المنارة على ارتفاع/12/م نقوش كتابية من جهاتها الأربعة».

ويعيش هذا المعلم الحضاري والإنساني حالة من التغيب والإهمال تجعله قاب قوسين أو أدنى من الزوال، وليس المرء بحاجة إلى أن يكون مختصاً ليعي هذا الأمر لأن تعدي المواطنين على أملاكه واضح وضوح الشمس ويستطيع المرء أن يرى المنازل المبنية ضمن وفوق أملاك الجامع كالزاوية التعليمية مثلاً والتي عندما رغبنا بزيارتها وتصويرها من الداخل منعنا أحد المواطنين وهو"سبيع.ق" بحجة أنها ملكه ويملك طابو في ذلك بالرغم من أن النقوش الحجرية تثبت ملكية الجامع للزاوية والمكتبة والبيمارستان الذي كان يستخدم على ما يبدو كما أشار المحامي"خالد بيطار" في كتابه "النقوش الكتابية على أوابد مدينة "الحصن" ومشيداتها "ص68" زريبة للحيوانات!!!؟؟؟، هذا عدا عن جدرانه التي تداعت أجزاء منها وكل ذلك في ظل غياب دور حقيقي لمديرية الآثار والمتاحف سواء من حيث ترميمه ومنع التعديات عليه وجعله مقصداً هاماً للسياح من خلال ربطه بقلعة الحصن. أليس من المعيب أن نترك تراثنا وتاريخنا عرضةً للتدمير في الوقت الذي تبحث الدول عن قشة تثبت بها تاريخها وعراقتها؟؟؟!!!.

يمكن ملاحظة التشويه الذي لحق بجدار الزاوية التعليمية

المواطن "عامر خليل قاضي" عضو في لجنة أوقاف "الحصن" قال: «المواطن"سبيع.ق" لا يملك أي إثبات لملكية الزاوية التعليمية وهو واضع يده عليها (متسلبط عليها) وعلى أساس أن يتنازل عنها للأوقاف لكن لحد الآن لم يحصل شيء».

السيدة"نعيمة محرطم"مديرة "قلعة الحصن" قالت: «لانستطيع إخراج الناس من منازلهم لأنهم يملكون طابوا بها، وإخراجهم يستلزم دفع تعويضات لهم ومديرية الآثار والمتاحف فقيرة؟؟!!».

ويتم حالياً العمل على إعادة ترميم البيمارستان من قبل لجنة الأوقاف وعن ذلك قال "خليل قاضي": «نعمل حالياً على إعادة ترميم البيمارستان بعدما تنازل عنه مواطن من آل "عرعور" وذلك عن طريق جمع تبرعات من الأهالي، ويمكن آن نستفاد منه كقاعة لتقبل العزاء أو معهد تعليمي».

والحقيقة أن ترميم هذا "البيمارستان" من قبل لجنة الأوقاف ليس من أجل المحافظة عليه كتراث وإنما من أجل تحويله إلى مجلس عزاء أو معهد تعليمي ديني!!؟؟ وذلك كما أعلمنا "قاضي"، والسؤال الذي يطرح نفسه أليس من المعيب تنزوي حضارتنا في مجلس عزاء، وأين مديرية الآثار من كل ذلك؟؟!!. وعندما توجهنا بسؤالنا إلى السيدة "محرطم" عما إذا كان لديهم علم بذلك قالت: «نعم، أليس ذلك أفضل من أن يتعرض للخراب».

ولا تجزم"محرطم" أن المديرية تقوم برصد مبالغ معينة لترميم المبنى المتهالك في كثير من أجزائه وتقول: «لايمكن القيام بالترميم دون استملاك الجامع بالكامل، والترميم حالياً يتم بناء على تبرعات الأهالي تقوم به لجنة وقفية ونحن نوافق عليه شرط المحافظة على طابعه القديم».

وفي سؤالنا للأستاذ "بيطار" عن سبب التهميش الذي يعيشه "الجامع الكبير والمعالم الأثرية الأخرى الموجودة في "مدينة الحصن" قال: «إن وجود القلعة كونها المعلم الأشهر في"الحصن" صرف الأنظار عن مواقع وآثار ذات قيمة تاريخية وحضارية لا تقل شئناً عن "القلعة" كونها تمثل تراثنا وحضارتنا، لذلك يلف الظلام هذه المعالم الأثرية ومنها "الجامع الكبير" الذي يعيش التخريب والاعتداء عليه.

ليس من المنطق أن يتعرض إرث حضاري يزيد عمره عن /7/ قرون لمثل هذا الإهمال والتهميش الأمر الذي فتح الطريق واسعاً للتطاول على ممتلكاته وملحقاته والاعتداء عليها وتخريبها وأخذ حجارته وبناء المنازل بها خاصةً حجارة البيمارستان والزاوية».

وينهي كلامه بالقول: «الجامع حالياً في أمس الحاجة للفتة عطف من الجهات المختصة لإعادة تأهيله والحفاظ على بنائه وبناء ملحقاته التي لم يبق منها سوى القليل وهي في طريقها إلى الزوال إذا لم يدركها أصحاب الشأن».