ثلاثون عاماً قضتها وما زالت في المهنة الأسمى، حصدت فيها محبّة الذين علَّمتهم من طلابها، ومن أشرفت على تأهيلهم وإرشادهم من المعلمين، استمراراً لنجاحهم في أداء واجبهم، فكانت مثالاً للمرأة، الأم، والمعلمة المعطاءة بمحبةٍ وإخلاص لعملها.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 29 آذار 2020 مع "ميسر سلوم" الموجهة الاختصاصية لمادتي الفيزياء والكيمياء للتعرُّف عن قرب على مسيرة عطائها التعليمي، والبداية كانت من نشأتها، فقالت: «في ستينيات القرن الماضي كانت ولادتي ضمن بيئةٍ ريفيةٍ جميلة بطبيعتها البسيطة والخلاَّبة بكلِّ تفاصيلها، وكانت الزراعة هي المورد الأساسي لسكان قريتي حينها ولغاية أيامنا هذه، وتحصيلي الدراسي بمجمله كان في مدارسها حتى نيلي الشهادة الثانوية في الفرع العلمي، بعدها كانت الوجهة صوب كلية العلوم في جامعة "البعث"، حيث تخصصت في دراسة الفيزياء والكيمياء، لأحصل على شهادة البكالوريوس عام 1990، وتبدأ بعدها رحلتي في ميدان التعليم لسنواتٍ طوالٍ تلت».

في ستينيات القرن الماضي كانت ولادتي ضمن بيئةٍ ريفيةٍ جميلة بطبيعتها البسيطة والخلاَّبة بكلِّ تفاصيلها، وكانت الزراعة هي المورد الأساسي لسكان قريتي حينها ولغاية أيامنا هذه، وتحصيلي الدراسي بمجمله كان في مدارسها حتى نيلي الشهادة الثانوية في الفرع العلمي، بعدها كانت الوجهة صوب كلية العلوم في جامعة "البعث"، حيث تخصصت في دراسة الفيزياء والكيمياء، لأحصل على شهادة البكالوريوس عام 1990، وتبدأ بعدها رحلتي في ميدان التعليم لسنواتٍ طوالٍ تلت

عن تفاصيل تلك الرحلة في بداياتها تابعت: «ليس غريباً عن معرفة الناس بأنَّ العلم والمعلِّم هما الأساس في نهضة الأمم وتطورها، والعطاء الذي يقدَّم في هذه الرسالة لا يوازيه عطاءٌ آخر، لذا كان انخراطي في هذه المهنة السامية عام 1994، حيث تمَّ تعييني في ملاك مديرية التربية في محافظة "درعا" بعد نجاحي في مسابقة وزارية لانتقاء المدرِّسين كانت قد أعلنت عنها فيما سبق، وهنا كانت التجربة الأولى لي، رغم ابتعادي عن بيئتي وأهلي، إلاَّ أنَّ فرحتي بما أقدِّم من فائدة ومعرفة لطلابي هناك كانت الأهمَّ عندي، استمرت رحلتي الأولى هذه لمدة عامٍ فقط، ليحملني القدر عائداً بي بعد زواجي إلى قريتي الأم "القبو"، وإلى ذات المدرسة التي نشأت وتخرجت منها وهي ثانوية الشهيد "تميم أحمد"، وهنا كانت المهمة أكبر حملاً بسبب تكليفي في تدريس مجمل الصفوف من بداية المرحلة الإعدادية حتى طلاب الشهادة الثانوية، تخللها عودتي للحياة الجامعية من خلال دراستي في كلية التربية للحصول على درجة الدبلوم في التأهيل التربوي بتخصصي العلمي ذاته.

بعض من شهادات التقدير الممنوحة لها

العبء كان كبيراً، لكن غنى هذه التجربة التي استمرت أكثر من خمسة عشر عاماً وما حققته من نجاحٍ فيها كان هو الأثمن عندي وأنا أرى طلاَّبي بمعظمهم قد وصلوا إلى درجاتٍ عاليةٍ في تحصيلهم العلمي فيما بعد، هذه هي الفرحة التي كنت أعيشها وما زلت خلال مسيرتي التعليمية المستمرة لغاية أيامنا هذه».

المحطة التالية في مسيرة رحلتها كانت في اتجاهٍ آخر، وعنها تقول: «في عام 2008 تقدَّمت لمسابقة وزارة التربية الخاصة باختيار الموجهين الاختصاصيين كلٌّ حسب تخصصه، وبعد نجاحي في اختباراتها، اضطررت للانتقال مع عائلتي إلى مدينة "حمص" حيث كانت المهمة الجديدة لي ضمن مديرية التربية فيها، الأمر لم يكن بهذه السهولة، فقد اتبعت قبل ذلك العديد من الدورات التخصصية المركزية في مجال العمل التوجيهي، وقد تمَّ تكليفي بدايةَ بالإشراف على مجمعاتٍ تربويةٍ في ناحية "شين"، وتجمع قرى المركز التابعة للريف الغربي في المحافظة، إضافةً لمجمع مدينة "الرستن"، وبعد عامٍ كاملٍ من خدمتي أصبحت الأعباء أكثر حملاً بسبب عدم وجود موجهين آخرين غيري، وبقيت على هذا الحال سنتين متتاليتين كنت مشرفةً فيها على مدارس المحافظة مدينةً وريفاً في ذات الوقت.

خلال حضورها لحصة تعليمية عملية في جولاتها

إلى جانب ذلك، كان السعي لتطوير إمكاناتي قائماً من خلال خضوعي لدوراتٍ مركزيةٍ متعددة في اختصاص دمج التعليم بالتكنولوجيا، وفي تطوير المناهج الدراسية، تماشياً مع التطور الذي بدأ سائداً حينها في أساليب العملية التعليمية، فالموجه الاختصاصي يجب عليه أن يواكب أيَّ تطورٍ تشهده العملية التعليمية في أدواتها، ليكون قادراً بدوره على تلقينه وتحويل خبرته لباقي المعلمين والمدرِّسين، من أجل الوصول إلى الهدف الأسمى، وتحقيق الفائدة لطلابهم».

وعن الدور المنوط بالموجه الاختصاصي بشكلٍ عام والمهام التي تولتها لاحقاً؛ أضافت قائلةً: «الموجه هو صلة الوصل بين المدرِّسين المشرف عليهم في القطاع الموكل له من جهة، وبين مديرية التربية والوزارة من ناحيةٍ أخرى، حيث يقوم بزياراتٍ تفقديةٍ مع بداية كلِّ فصلٍ دراسي، يتفقد من خلالها واقع العملية التعليمية في المدارس والصعوبات التي تعترض المدرِّسين والطلاب على حدٍّ سواء، ويشرف على التطبيق الكامل للمناهج الدراسية المعتمدة، والعلاقة بين الطرفين يجب أن تكون مبنيةَ على المحبة والاحترام والتقدير، وهذا ما حرصت على الحفاظ عليه في سنوات عملي الطويلة مع كلِّ زملائي، فالعمل الذي يقوم على الحب والعطاء بلا مقابلٍ هو العمل الأنجح الذي يؤتي بثمارٍ طيبة، والخبرة التي اكتسبتها طوال هذه السنين مكنتني من القيام بالعديد من المهام التي أوكلت لي، فقد أصبحت منذ عام 2010 عضواً في لجنة انتقاء المعايير المخصصة لوضع المناهج المطوَّرة من قبل الوزارة، ومدرِّبةً لها للمدرِّسين ضمن ملاك مديرية تربية "حمص"، كذلك عملت في التدريب على التنمية المستدامة عام 2019، وأحد أعضاء لجنة التحكيم في مسابقات الروَّاد الطليعيين على مستوى الفروع في محافظة "اللاذقية"، إلى جانب مشاركتي في اختيار الطاقم التعليمي المشرف على مسابقات الأولمبياد العلمي للطلبة المتميزين، وإجراء دوراتٍ مخصصة لهم من أجل ذلك.

المدرِّس جهاد غميض

كما تمَّ اختياري ضمن اللجنة الخاصة بوضع التشكيلات السنوية للمدرِّسين اعتماداً على أسسٍ معتمدة لهذا الأمر، وهنا يكون لتقييم الموجه الاختصاصي خلال السنة الدراسية دورٌ في جدول التنقلات الخاصة بهم، وهذا اكتسبته من خلال دورات التوجيه المركزية التي اتبعتها على مدار سنواتٍ مضت.

كل ذلك لم أكن لأنجح به لولا قناعتي بأنَّ أيَّ صعوبة في عمل الإنسان تتلافى ما دام يؤدي عمله بمحبةٍ وتفانٍ، وبالمعاملة الطيبة التي يبادر بها لزملائه، وتأتي نجاحات من أشرفت على تدريسهم من طلبةٍ ومدرِّسين معاً لتنسيني كلَّ تعبٍ ومشقةٍ في عملي الذي أديته طوال كل السنوات الماضية».

مدرِّس العلوم "جهاد غميض" صاحب الخبرة التدريسية الطويلة عنها يقول: «من خلال عملي التدريسي تعرَّفت على الموجهة الاختصاصية "ميسر سلوم" منذ أكثر من عشرة أعوام، ما يميزها بالدرجة الأولى هو الحسُّ الإنساني العالي الذي يطبع شخصيتها الطيبة والمحبوبة لدى جميع من عرفها عن قرب، عدا عن رقي أخلاقها وثقافتها، والهدوء والرصانة في عملها، ما لمسته كذلك هو التقدير الذي تكنُّه لجهود المدرِّسين والطلاب على حدٍّ سواء.

كانت وما زالت ساعيةً بكلِّ جهدها لتطوير واقع العملية التعليمية في مدارس "حمص"، وهذا كان بادياً في اهتمامها بكل التفاصيل، من أجل الوصول لدرجة نجاحها التي تنعكس على مستقبل الطلبة والمعلمين معاً، وهذا ما عاينته من خلال حصولي على أكثر من ستِّة كتب شكرٍ منها، وأستطيع الجزم بأنَّ ما قلته عن عطائها يشاركني به كلُّ مدرِّسٍ عرفها، وما زالت تعطي الكثير من جهدها ومحبتها بما يشبه عطاء الأم لأولادها، لأنها تعمل وتعامل الغير من هذا الجانب في عملها، هي مكسبٌ كبيرٌ برأيي لمهنة التعليم بكلِّ مفاصلها».

من الجدير ذكره بأنَّ "ميسر سلوم" إلى جانب عملها كموجهةٍ اختصاصيةٍ فهي مدرِّسة لطلبة دبلوم التأهيل التربوي في كلية التربية بجامعة "البعث" منذ عام 2011 للطلبة المتخرجين من كلية العلوم باختصاصي الفيزياء والكيمياء، وهي من مواليد ناحية "القبو" التابعة لريف محافظة "حمص"، متزوجة ولديها أربعة أولاد.