رغم صغر عمر النسبي كمختار لقرية يكاد يصل تعداد سكانها العشرة ألاف نسمة, إلاّ أنه يمنحك انطباعاً ومن النظرة الأولى أنك أمام حكمة المعمرين, وخبرة المجربين, وعزم وصلابة الشباب, لما لحديثه وتصرفاته من معاني تأخذك إلى زمن عربي تغنينا به ذات يوم.

عبد الباسط عودة ابن الخامسة والأربعين, مختار قرية ريان الواقعة إلى الشرق من حمص (16 كم) على طريق تدمر القديم.eHoms زارت المختار في مكتبه بعد أن سمعت عن حكايا كدنا نفتقدها من حياتنا. أبو سامر وهو لقب المختار المحبب لقلبه وبعد استقبالنا بالضحكة والترحاب, وفنجان القهوة المرة يخبرنا أن "المخترة ليست امتيازاً يناله شخص ما بالقدر الذي تكون فيه مسؤولية, حيث أصوات المواطنين أمانة في عنق المختار, فإما أن يحافظ على هذه الأمانة ويزيد من محبة الناس له, وإما أن يفقد مصداقيته أمام نفسه قبل الآخرين ".

وحتى تكون مختار ناجح برأي المختار أبو سامر يجب أن يكون لك " رصيد من محبة الناس إضافة للعقل الراجح, والرأي السديد , وتحكيم الأمور بالشكل الصائب, حيث استخدام القوة حكمة, والاعتذار فضيلة, وأن تكون مع الناس في السراء والضراء جنباً إلى جنب".

أبو سامر يسرد لنا كيف وصل للمخترة في قرية ريان بقوله:" لم أكن بأي وقت أسعى لأن أكون مختاراً للقرية, لأني كنت دوماً مع الأهالي ولهم, وفي كل المجالات, وهذا الأمر دفعهم ومن باب رد الجميل لترشيحي لمنصب المختار في الانتخابات البلدية الأخيرة, والحمد لله حققت أعلى نسبة أصوات في المنطقة ككل, وهذا لم يكن ليكون لولا فضل الله ومحبة الناس, وهي الأمانة الكبرى التي أطلب من الله عوني لخدمتهم ورد هذا الدين للأهالي".

وعن حقيقة ما يروى عن حكمته وكرمه, ورغم تمنعه في البداية عن الخوض في مثل هذه الحكايا لأن " من يعمل لله فعل خير يجب أن ينساه و لا يتباهى به أمام الناس " بحسب رأيه, ومع إصرارنا على معرفة تفاصيل قصة الطلاب الذين تبرع لهم براتب شهري طيلة فترة دراستهم الثانوية, قال أبو سامر: " لم يكن بالقرية ثانوية, رغم وجود ستة طلاب قد نجحوا من الصف التاسع, لذا ومع رغبتهم بمواصلة الدراسة في القرية المجاورة, تكفلت بمصروفهم الشهري طيلة فترة دراستهم في المرحلة الثانوية, مع تكليف سيارة على حسابي لنقلهم من وإلى القرية, والحمد لله فقد نجح هؤلاء الطلاب ونالوا الثانوية العامة, وعن جدارة, واليوم هم في مكانة اجتماعية جيدة".

وحول مصالحة اعتبرها البعض من أهالي المنطقة تاريخية بين ثلاث عائلات متخاصمة منذ سنوات, قال أبو سامر: " كان ثمة خلاف حاصل بين ثلاث عائلات في المنطقة بسبب قطعة أرض, سبق أن تعاقبوا على ملكيتها بطريقة البيع والشراء, ورغم امتداد الخلاف لخمس سنوات, إلاّ أنه بقي دون حل, حتى وفقني الله بحله ووضع حد لهذه المخاصمة التي وصلت في لحظات إلى حد التهديد بالقتل" وعن طريقة الحل قال أبو سامر" الخلاف كان بسبب الفارق المالي بين الأرقام التي يطرحها كل طرف لصالحه, ويصر على كونه الفريق الأحق, ومع التدقيق بهذه الأرقام وحساب الفارق بينها, مع الأخذ بعين الاعتبار الفترة الزمنية لتاريخ البيع والشراء لكل عائلة, وبحضور أشخاص محايدين تمت المصالحة بعد حلحلة هذه الفوارق وإزالتها".

وأبو سامر اليوم ورغم صغر سنه (مواليد 1963) لديه / 14/ ابن وابنة, من زوجة واحدة, وهو لا يؤمن بتعدد الزوجات, لكنه يؤمن بالزواج المبكر, الأمر الذي طبقه مع اثنين من أبنائه مما جعله جد باكراً.