فنانة تشكيلية مغتربة، تعد من القلائل اللواتي اتجهن للتخصص بفن النحت، وأبدعن فيه بالإضافة إلى الرسم، وذلك من خلال تشرّبها للثقافتين الأوروبية والعربية، واطلاعها على تجارب الفنانين التشكيليين في أوروبا والمنطقة العربية، بحكم عيشها وتنقلها منذ طفولتها بين ألمانيا وسورية.

إنها الفنانة التشكيلية "سوزان نايف العبود" المولودة عام 1976 في ألمانيا، والتي درست الفن التشكيلي وتخرجت في كليه الفنون الجميلة "بدمشق" عام 2000 وتابعت دراساتها العليا في نفس الكلية ومن ثم في جامعة "برلين"، وشاركت وأقامت العديد من معارض النحت والرسم، إضافة إلى مشاركتها في العديد من ملتقيات النحت العالمية.

حقيقة أنا نحاتة ودائماً لدي البعد الثالث مهم جداً، وأحب أن أرى الأشياء من كل الجهات حتى في اللوحة التي أرسمها لدي بعد ثالث

eHoms انتهز فرصة إقامة الفنانة "عبود" لمعرضها الفني التشكيلي في صالة الفنون الجميلة بمدينتها "حمص" ما بين 25/1/2011 و3/2/2011 والذي حمل عنوان "اللوح الأول.. البداية" فكان اللقاء معها والتعرف على المعرض وعلى تجربتها الفنية الشخصية.

إحدى أعمالها النحتية

فعن هذا المعرض قالت الفنانة "العبود": «يتضمن المعرض أربعا وخمسين لوحة فنية، حيث إن أكثر من ثلاثين عملاً من أعمال هذا المعرض نفذتها خلال الشهرين اللذين أتيت فيهما إلى سورية مؤخراً والباقي رسمته في "برلين".

وقد استلهمت فكرة المعرض من أسطورة الخلق البابلي المأخوذة من كتاب "مغامرة العقل الأولى" التي ترجمها "فراس السواح"، حيث إنه في كل معرض من المعارض التي سأقيمها استعارة ودمجاً من فكرة لوح من الألواح السبعة، سبعة ألواح بابلية تتكلم عن بدء التكوين بطريقة الصورة، وهذا المعرض هو المرحلة الثانية من اللوح الأول وحين كنت في ألمانيا اشتغلت على المرحلة الأولى من اللوح الأول، واليوم أقدم فقط رسما، وهناك مرحلة ثانية أيضاً عبارة عن نحت فقط».

من المعرض الأخير للفنانة "سوزان" في "حمص"

وأضافت: «في لوحاتي دمجت بين الماضي والحاضر، من خلال التعبير عن بداية نظرية التطور، وبداية تشكل الخلية الأولى، أخذت من صورة التكوين البابلية طريقة تفكير القدماء ببدء التكوين، من أين أتينا؟ وإلى أين نحن ذاهبون؟ وكيف يتكون الإنسان؟ تلك الأسئلة كانت تشغل القدماء وما زالت إلى اليوم تشغل الكثير من العلماء.

وحاولت الدمج بين الاثنين من خلال التعبير عن الخلايا، فكل أعمالي تقريباً مستمدة من الخلية الأولى، تتضمن أشياء لا ترى إلا تحت المجهر، كالانقسامات، والأشنيات التي تعد من أقدم المخلوقات بالكون، وأريد بذلك من المتلقي أن يتفاعل بنفسه مع اللوحات دون أن أوضح له ما معنى هذه اللوحات».

بعض لوحات الفنانة "سوزان" التي عرضتها في معرض "اللوح الأول"

وعن تجربتها الفنية التشكيلية قالت "سوزان": «تجربتي خليط بين حياتي في ألمانيا وفي سورية، دمج بين الحضارات بين الأفكار، فالعين ترى وتخزّن، وكلها خبرات تشكل الإنسان وتفكيره، ومنذ طفولتي وإلى اليوم وأنا أتنقل بين البلدين».

وأضافت: «حقيقة أنا نحاتة ودائماً لدي البعد الثالث مهم جداً، وأحب أن أرى الأشياء من كل الجهات حتى في اللوحة التي أرسمها لدي بعد ثالث».

وعن تمثيلها لسورية والعرب في الملتقى الأخير للنحت العالمي قالت: «في صيف العام الماضي 2010 شاركت باسم سورية بالملتقى العالمي للنحت على الرمل "ببرلين" في ألمانيا وهي المشاركة الأولى لامرأة عربية في هذا الملتقى، لكن للأسف لم يغط الملتقى إعلامياً على مستوى وسائل الإعلام العربية، ونحن كفنانين مغتربين بحاجة لبعض من الاهتمام الإعلامي العربي، وأنا حقاً كنت فخورة جداً بأنني أمثل بلدي في هذا الملتقى، وهي تجربة جميلة جداً وأنا أحب التجارب الجديدة والمغامرة فيها».

وعن طموحات الفنانة "عبود" ومشاريعها الفنية المقبلة قالت: «بالتأكيد لن أتوقف عند مرحلة معينة، وكل معرض جديد أشارك فيه أتقدم بالخبرات، ودائماً هناك تجارب جديدة، وتأمل أكثر، وبالتالي تعلم أكثر، وتفكير أكثر، طموحاتي لا تتوقف، وأود أن أكون فنانة شاملة تصل إلى العالمية، تقدم أفكارها للجميع».

وأضافت: «أود أن أكمل المشوار لكن الفن يحتاج إلى وقت طويل، فلا يمكن بيوم أو يومين أن يحصل الفنان على نتيجة ملموسة، بل هو بحاجة لأن يعمل على نفسه باستمرار.

ودائماً أفكر بالمشاركة بملتقيات أكثر وأن أقيم معارض في بلدي سورية وفي كل مكان في الخارج، وبتاريخ 30 أيار لدي معرض لأعمالي النحتية في "صالة النهر الخالد" بمركز الثقافة الفنية "ميثودس" "بحمص"».

وللتعرف على رأي أحد أصدقاء الفنانة "سوزان" بفنها وبشخصها التقينا السيدة "دعد درويش" رئيسة النادي السوري للمسنين فقالت: «"سوزان" صديقتي، بيننا علاقة روحانية عالية المستوى، وأنا أرى أن منحوتاتها فيها حالات إبداع شديدة، وخاصة في المنحوتات الصغيرة الشكل، والشيء الذي رأيته ولمسته أن منحوتاتها على مستوى عال من الدقة والإتقان بالعمل، و"سوزان" إنسانة شفافة، لديها لمسات إبداعية بتعاملها مع الرمل والحجر والخشب، ودائماً أرى روح "سوزان" داخل كل منحوتة لها، وأسمع حكاية من "سوزان" في كل منحوتة من منحوتاتها».

وتابعت "درويش": «"سوزان" إنسانة نشيطة جداً، ولديها حالة نشاط مفرط بالعطاء، أتمنى وأطلب منها وكل شخص مغترب خارج سورية لديه إبداعات مثل "سوزان" أن يأتي إلى سورية ويقدّم ما لديه لأنها بحاجة إليه».

أما الفنان التشكيلي "فريد جرجس" فأعطانا رأيه بأعمال الفنانة "سوزان العبود" قائلاً: «الفنانة "سوزان" تقدم أعمالاً جيدة على العموم، أرى بلوحاتها هنا بالمعرض أنها نحاتة وأنا اطلعت على أعمالها النحتية، وهو شيء مفرح أن يكون هناك امرأة تعمل بفن النحت بهذه الحرفية، والشيء الآخر الجميل أنه ليس بالضرورة كثرة المواضيع في الأعمال الفنية بل التركيز على موضوع واحد وهذا ما تتبعه الفنانة "سوزان"، إضافة إلى أنها تشعرك وكأنها تشكل نحت بأعمال الرسم، وهذا شيء جيد لا يضر أبداً لأنها نحاتة بالأساس».

وأضاف الفنان "جرجس": «الفنانة "سوزان" من خلال دراستها في ألمانيا بالتأكيد هي مطلعة هناك على الكثير من التجارب الفنية وأساليب الفن التشكيلي الحديث المتعددة وغير الكلاسيكية، وواضح أنها تعمل بحرية أكثر، فبغض النظر عما هو المطلوب لكن يهمها أن تقدم ما يجول بداخلها».

الجدير بالذكر أن الفنانة "سوزان العبود": عضو في نقابه الفنون الجميلة منذ عام 2000، وفي عام 2002 حصلت على دبلوم الدراسات العليا من كلية الفنون الجميلة "بجامعة دمشق"، وعملت كمعيدة في نفس الكلية من عام 2003 حتى عام 2006، وفي عام 2008 تخرجت في كلية الفنون الجميلة "بجامعة برلين"، وحصلت على الشهادة العليا في الفن "ماستر" عام 2009 من كلية الفنون الجميلة "بجامعة برلين".

وشاركت الفنانة "سوزان في الكثير من المعارض منذ عام 1998 من أبرزها:

عام 2000 معرض مشترك في مصر "الأقصر" أقيم للطلاب الأوائل في "جامعة دمشق"، وعام 2001 شاركت في المعرض الفني السنوي "بدمشق"، وعامي 2001 و2002 شاركت بمعرض الشباب الثاني والثالث في صالة "الشعب" "بدمشق"، وفي عام 2004 شاركت بمعرض "رؤى نسائية" في خان "أسعد باشا" نظمته السفارة الأميركية "بدمشق"، ومنذ عام 2006 تشارك بمعارض مشتركة للرسم والنحت في كلية الفنون الجميلة "بجامعة برلين"، وعام 2009 أقامت معرضاً فردياً في "برلين"، كما شاركت في مهرجان "ربيع القيروان" عام 2010 في تونس.

وحصلت الفنانة "سوزان" على الجائزة الثانية بمعرض الشباب الثاني "بدمشق"، وهناك مقتنيات لأعمالها في المتحف الوطني "بدمشق"، إضافة إلى مقتنيات خاصة في "دمشق" والنمسا وألمانيا وهولندا وإنكلترا.