صورة رائعة ومعبّرة من التواصل الإنساني بين المغترب السوري وبين أبناء وطنه المقيمين، تتجسد بشكل واضح ومميز في بلدة "زيدل" الواقعة على بعد (7) كيلو مترات شرق مدينة "حمص"، هذه البلدة التي لا تخلو أسرة فيها من مغتربين هاجروا إلى بلدان الاغتراب، نتيجة عدة ظروف، أغلبها مادية، دفعتهم لترك بلادهم بالجسد، لكن بقيت أرواحهم معلقة بتراب وطنهم الغالي، من خلال تواصلهم مع أخوتهم وأقربائهم المقيمين بشكل مستمر، وعبر الزيارات السنوية...

والأهم من ذلك عدم ترددهم في تقديم مختلف أنواع المساعدات التي يحتاجها أبناء بلدتهم المقيمين لتحسين وتطوير مستوى معيشتهم، وذلك من خلال عدة جمعيات خيرية أهلية أسسها هؤلاء المغتربين في الخارج لاستمرار مع الأهل والأقرباء في الوطن والمهجر.

استمرت الجمعيات الخيرية الزيدلية في المغترب لاحقاً بإرسال التبرعات لمساعدة العائلات الفقيرة، حيث كان يوجد شخصان في القرية يستلمان التبرعات المرسلة من الخارج ويقومان بتقسيمها على عدد من العائلات المحتاجة، ثم يتم توزيع المبلغ على هذه العائلات على دفعتين، الأولى قبل عيد الميلاد والثانية قبل عيد الفصح لئلا تشعر هذه الأسر الفقيرة وأولادها بالنقص في فترة الأعياد

وللتعرف أكثر على تاريخ الاغتراب الزيدلي، وأبز الجمعيات الزيدلية الخيرية في الخارج، وأبرز ما قدمته وتقدمه من مساعدات لأبناء "زيدل" حدثنا الصيدلي "فايز زكور" أحد المهتمين بالبحث التاريخي في بلدة "زيدل"، وكان قد ألقى محاضرة بدعوة من المنظمة الدولية للهجرة فرع سورية، في فندق سميراميس بـ"دمشق" في شهر تشرين الأول /2008/، حول تجربة قرية "زيدل" السورية مع الاغتراب.

الصيدلي "فايز زكور"

فقال بداية: «جمعيات زيدل الخيرية الحالية، هي امتداد لشكل قديم من التواصل بين المغتربين الزيدليين وأهاليهم في الوطن الأم سورية. ويعود تاريخ تأسيس هذه الجمعيات إلى أكثر من مئة عام، إذ أن الإغتراب الزيدلي يعود إلى حدود عام /1890/ عندما هاجر الشبان الأوائل إلى أميركا الجنوبية واللاتينية وكانوا يساعدون أهاليهم مادياً ويساهموا في الإنشاءات العامة في القرية.

ففي عام /1898/ عندما هدمت كنيسة سيدة النجاة في القرية بغية بناء أخرى جديدة، طلب أهالي القرية من أبنائهم في المهجر أن يساعدوهم، فتبرع المغتربون بالمال لدعم هذا المشروع، وتكرر هذا الأمر عند بناء كنيسة مار جرجس عام/1909/، وكان تركّز المغتربين في تلك الفترة في بوليفيا والبرازيل».

من إحدى الحفلات الخيرية للسيدات في "جاكسنفيل"

وأضاف "زكور": «استمرت الجمعيات الخيرية الزيدلية في المغترب لاحقاً بإرسال التبرعات لمساعدة العائلات الفقيرة، حيث كان يوجد شخصان في القرية يستلمان التبرعات المرسلة من الخارج ويقومان بتقسيمها على عدد من العائلات المحتاجة، ثم يتم توزيع المبلغ على هذه العائلات على دفعتين، الأولى قبل عيد الميلاد والثانية قبل عيد الفصح لئلا تشعر هذه الأسر الفقيرة وأولادها بالنقص في فترة الأعياد».

وعن أبرز الجمعيات الزيدلية في المغترب حالياً قال الصيدلي "زكور": «يوجد حالياً جمعيتان خيريتان في الولايات المتحدة الأميركية، الأولى في ولاية "فلوريدا"، وهي جمعية (الشباب الزيدلي)، في مدينة "جاكسنفيل"،

سيارة جمع القمامة التي قدمتها الجمعية الزيدلية للبلدة

والجمعية البارزة الثانية في ولاية" كاليفورنيا" وهي الجمعية (الخيرية الزيدلية)، ولا يوجد عدد محدد من الأعضاء لهذه الجمعية فالكل يساهم في نشاطاتها وأعمالها دون تحديد العمر والمكان.وهناك أيضاً جمعية "آل زيدان" النسائية في البرازيل».

وعن أهم إسهامات هذه الجمعيات الخيرية في البلدة قال "زكور":«قامت وتقوم الجمعية الخيرية الزيدلية بإسهامات كثيرة في "زيدل" يمكن أن نذكر منها: التبرع الدائم لـ(55) عائلة فقيرة في البلدة، إضافة لمساعدة المرضى الذين يتطلب علاجهم سفراً لخارج القطر وتكاليف عالية، كما تبرعت الجمعية الخيرية الزيدلية في" كاليفورنيا" بسيارة جمع قمامة كبيرة لصالح بلدية "زيدل"، وتبرعت أيضاً ببناء مقر لنادي "زيدل" الرياضي وهو حالياً قيد الإنشاء وبلغت التبرعات المرسلة لبنائه إلى حد الآن حوالي (1.3مليون) ليرة سورية.

أما جمعية الشباب الزيدلي في "جاكسنفيل" فقد قامت بالتبرع لبناء مستوصف "زيدل" الصحي، الذي أضحى أشبه بمشفى صغير، يستفيد منه أبناء القرية، والقرى المجاورة، وتبرعت نفس الجمعية بسيارة إسعاف حديثة مجهزة بكافة التجهيزات الطبية في حالات الإسعاف الطارئة. وتبرعت جمعية آل زيدان النسائية الخيرية في البرازيل بجهاز تصوير شعاعي إيكو للمستوصف».

وتابع الصيدلي "زكور": «فضلاً عن كل هذه الإسهامات والتبرعات، فهناك تبرعات قدمت لصالح مدارس القرية من عدة جمعيات، أو بشكل فردي من قبل المغتربين. كما يقام سنوياً في المهجر حفلات خيرية للجمعية الزيدلية في "كاليفورنيا"، وجمعية الشباب الزيدلي في "جاكسنفيل")، بهدف استمرار التواصل وإطلاق حملات التبرع، وآخر حفل للجمعية الخيرية الزيدلية كان في شهر حزيران /2009/.

وكذلك يقام في كل صيف في "زيدل" حفل تكريم للمغتربين الذين يزورون الوطن سنوياً، تنظمه بلدية "زيدل" بالتعاون مع فعاليات البلدة الدينية والشعبية والرسمية».