بين الماضي والحاضر، هناك قصصٌ عالقةٌ في أذهان أهل "حمص" (عاصمةُ الضّحك) لها رمزيتها الخاصّة، فالجميع عندما يريد أن يتحدث بطرافة يستشهد بحمصي، ولكن دون معرفة القصة الكامنة وراء ذلك، تعرّفوا إلى روايتها وتابعوا كيف حوّلها أهلها إلى حاضرٍ جميل.

مدوّنةُ وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 10 تموز 2020 مع "نور العبد" باحثة في التّاريخ القديم وقالت: «تعارف الجّميع على أنّ يوم الأربعاء من كلّ أسبوع هو عيد الحماصنة وتناقلوه جيلاً بعد جيل، لكنّ الكتب الكثيرة وأجدادنا القدماء روَوا لنا السّبب في هذا العرف وهو عائد لثلاث روايات مترابطة فيما بينها، فتقول الرّواية الأولى أنّه عند زحف المغول بهمجية كبيرة خاف أبناء "حمص" من وصول الخطر إليهم وأدركوا صعوبة مقاومتهم للمغول، فاجتمع ولاة الأمر فيها آنذاك وقرروا تنفيذ خطتهم بالتّظاهر بالجّنون عن طريق مشهد تمثيلي حقنَ دماءهم وحفظ أرضهم، فنقشوا أجسادهم بمادّة صبغية حمراء، ومزقّوا ثيابهم ومشَوا في الشّوارع بهبل مع طبل وزمر، حيث كان دارجاً حينها حجرُ المجانين حذراً من انتقال عدوى الجّنون إلى العقلاء، وهكذا ابتعدَ المغول خوفاً على أنفسهم وأنّ لا مكسب من غزو مدينة أهلها مجانين، فنجحت خطتهم، لكن ذاع سيط الجّنون عليهم بكلّ أصقاع المناطق المجاورة، واليوم الموافق لذلك هو الأربعاء.

درج عن أهل "حمص" البساطة والعفوية والمرح خاصّة يوم الأربعاء فاعتزازاً بتاريخنا وتفرّداً بيومنا المعهود، أردنا رسم البسمة على وجوه أهل المحافظة، حيث توالت الفعاليات الاقتصادية في "حمص" مع تنامي النّشاط التّجاري فيها بعد عودة "حمص" القديمة، ولفرحة الأهالي بذلك قمنا بعّدة حملات تطوّعية خاصّة بـ"حمص" أهمّها حملة "الأربعاء السّعيد" و"الأربعاء المجنون" اللّتان خفّض بهما أصحاب المحالّ التّجاريّة الأسعار بشكل كبير وجنونيّ، فترى الأسواق يوم الأربعاء مكتظّة بالنّاس، لتستغلّ فترة العرض وتجلب احتياجاتها اليوميّة، وبدأنا بذلك منذ عام 2018 وحتّى اللّحظة هذه، فقطار الفرح سيّرناه الأربعاء والكرنفالات الكشفية بمعظمها الأربعاء، مع التّركيز بذلك على السّوق المسقوف والأحياء القديمة وبها رسالة جوهرية هي دعوة لكلّ التّجار لاستئناف فتح محالّهم من جديد وعودة "حمص" كما كانت سابقاً

أمّا الرّواية الثّانية فهي أنّه في عام 657 ميلادي أتى "معاوية بن أبي سفيان" حاكم "بلاد الشّام" في تلك الفترة إلى "حمص"، بقصد تسيير الجّنود إلى معركة حاسمة للمنطقة أجمع، وصادف ذلك يوم الأربعاء، فخرج واحدٌ من الجّنود الحمصيّين، وطالب باسم الجّميع تأجيل المعركة يومين آخرين بقصد صلاة يوم الجّمعة وأخذ أجرها قبل القتال، فأجابهم "معاوية" سنقيمها لكم في الحال فاسمها لا يتعلق بصلاتها يوم الجّمعة بل بصلاتنا معاً ودعائنا الجّماعيّ، فوافقه الحمصيّون واستحسنوا الأمر آنذاك، وأقاموا الصّلاة ثمّ ذهبوا بعدها إلى معركتهم.

فيما تتحدث الرّواية الثالثة عن وجود ملك لـ"حمص" يدعى "شمس" في عصور قديمة، ودرج عنه دعوة الملوك والأمراء وكبار المستشارين إلى القصر في كلّ يوم أربعاء للاحتفال كيوم هامّ للمملكة وهذه الرّواية هي الرّواية الأصل التي اندرجت تحتها بقية الرّوايات وكرّست انفراد "حمص" بيوم الأربعاء».

وتحدّث "باسل المحمد" صاحب نشاط تجاري: «درج عن أهل "حمص" البساطة والعفوية والمرح خاصّة يوم الأربعاء فاعتزازاً بتاريخنا وتفرّداً بيومنا المعهود، أردنا رسم البسمة على وجوه أهل المحافظة، حيث توالت الفعاليات الاقتصادية في "حمص" مع تنامي النّشاط التّجاري فيها بعد عودة "حمص" القديمة، ولفرحة الأهالي بذلك قمنا بعّدة حملات تطوّعية خاصّة بـ"حمص" أهمّها حملة "الأربعاء السّعيد" و"الأربعاء المجنون" اللّتان خفّض بهما أصحاب المحالّ التّجاريّة الأسعار بشكل كبير وجنونيّ، فترى الأسواق يوم الأربعاء مكتظّة بالنّاس، لتستغلّ فترة العرض وتجلب احتياجاتها اليوميّة، وبدأنا بذلك منذ عام 2018 وحتّى اللّحظة هذه، فقطار الفرح سيّرناه الأربعاء والكرنفالات الكشفية بمعظمها الأربعاء، مع التّركيز بذلك على السّوق المسقوف والأحياء القديمة وبها رسالة جوهرية هي دعوة لكلّ التّجار لاستئناف فتح محالّهم من جديد وعودة "حمص" كما كانت سابقاً».

استطاع أهل "حمص" بذكائهم ونظرتهم المستقبلية ربط يوم الأربعاء بالطّرافة والضّحك والابتسامة، فترى جميع من يخالط حمصيّ في المحافظات السّورية يعايده كلّ أربعاء، وبالأيام الشّداد جعلوه أهلها يوماً تسويقيّاً خيّراً، ومساندة لبعضهم البعض ومن باب الفكاهة يعيّدون بعضهم البعض فيه إضافة إلى تبرير كلّ موقف طريف أو تصرف عفوي بـ(لاتواخذو... معيّد اليوم).

مادّتنا التي تنشر يوم الأربعاء كاتبتها حمصيّة، فكلّ أربعاءٍ وأهلُ "حمصَ" بألف خير وابتسامة دائمة.