يردّد الحماصنة دائماً أن مدينتهم مرصودة منذ مئات السنين، أي إن العقارب لا تدخل إليها أبداً، وإذا حضر أحدهم إلى مكان كان قد ذكر فيه قبل لحظات؛ يقال عنه إنه مرصود.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 1 تشرين الأول 2015، الموجّه التربوي "شلاش الضاهر"، الذي حدثنا عن هذه المعتقدات، ويقول: «تختلط المعلومات حول قضية العقارب لكونها أسطورة تحولت إلى واقع يومي بين السكان الذين فيهم نسبة كبيرة تؤمن بها، لذلك يتطلب دراسة للواقع الاجتماعي والثقافي السائد للمدينة لمعرفة أسباب وجود هذه الحالة أو عدمها، خصوصاً أن التاريخ يذكر قصة العقارب غير الموجودة في المدينة، حيث يروى أن ابنة أحد الملوك في المدينة كانت تخشى العقارب، لذلك بنى لها برجاً عالياً تقيم فيه، وكان أحد الفرسان يأتي إليها بالطعام من على ظهر فرسه، وذات يوم اختبأ عقرب بين سلة العنب فلدغها وماتت على الفور، فقام والدها برصد ولجم العقارب حتى خلت المدينة منها.

الخوري "عيسى أسعد" المتوفى 1949 ذهب إلى تفسير عدم وجود العقارب في "حمص" بعدم ملاءمة تربة المدينة لبيوضها، وثمة تفسير علمي آخر يرد هذه الظاهرة إلى وجود نسبة عالية من الزئبق في تربة "حمص" تطرد منها العقرب، لذلك بني عليها مقولة أيضاً إن العقرب لا تقرب ثياب الحمصي وأمتعته ما دام عليها تراب المدينة

و"حمص" اتصلت مع العقارب في التاريخ، حيث كان السكان قديماً يرسمون العقرب في منحوتاتهم وفنّهم، كرمز لرب القضاء والقسم، ويعتقد أنه طقس "طوطمي" من الرموز القبلية البدائية، ويرى بعضهم أن الآراميين في وسط "سورية" أخذوا عبادة العقرب عن "بلاد الرافدين"، والدليل على ذلك الرموز الآرامية في متحف المدينة التي تحوي نقوشاً للعقرب».

مصطفى صمودي

ويضيف: «في باحة المسجد "النوري" وسط المدينة القديمة "ناووس" من الحجر البازلتي الأسود وعليه عقربان متواجهان حول كرة كأنها الأرض، وهو يعود إلى تاريخ قبل المسجد، لكنه تجسيد لهذه الحالة، وهي أسطورة يؤكدها عدم وجود عقرب منذ قرون.

وهذه الأسطورة استمرت على الرغم من تعاقب الحضارات الوثنية والآرامية واليونانية والرومانية، وتعاقب الدين المسيحي والإسلامي، لسبب بسيط أنها متجسدة في الواقع».

شلاش الضاهر

الأديب "مصطفى صمودي" وضح وجهة نظره من خلال قراءاته الأدبية والتاريخية للموضوع بقوله: «أعتقد أن هذا الأمر لا يخضع للأساطير بل للخرافة، لأن الأسطورة لها منشأ في الأساس ثم يضاف إليها، أما الخرافة فلا صحة لوقوعها بالأصل وإنما محض بدعة، بدليل أن صديقاً لي من "حمص" لدغه عقرب في ريف المدينة.

لكن هناك أدباء كثيرين تحدثوا عن هذا الموضوع؛ حيث ذكر "الأصطخري" في كتابه "مسالك الممالك" أنه "لا وجود للعقارب في حمص"، وذكر "الشريف الإدريسي" في كتابه "نزهة المشتاق" أن "مدينة حمص مطلسمة لا يدخل إليها عقرب، ومتى دخلت باب المدينة هلكت في الحال، ويحمل من ترابها إلى سائر البلاد فتوضع على لسعة العقرب فتبرأ».

الباحث "خالد الأحمد" ذكر في كتابه "عادات ومعتقدات في محافظة "حمص" يقول: «الخوري "عيسى أسعد" المتوفى 1949 ذهب إلى تفسير عدم وجود العقارب في "حمص" بعدم ملاءمة تربة المدينة لبيوضها، وثمة تفسير علمي آخر يرد هذه الظاهرة إلى وجود نسبة عالية من الزئبق في تربة "حمص" تطرد منها العقرب، لذلك بني عليها مقولة أيضاً إن العقرب لا تقرب ثياب الحمصي وأمتعته ما دام عليها تراب المدينة».

ويشير "الأحمد" إلى بيت الشعر الشهير في هذا الموضوع للشيخ "عبد الغني النابلسي"، وجاء فيه: (لي ظبي من حمص هيفا فاتني ربرب

طلبت تقبيل خدّه قال لا تقرب

يلسعك عقرب عذارى، قلت: ذا أغرب

أألسع وفي حمص قالوا: طلسم العقرب).