عرفت "حمص" منذ مئات السنين الجلسات الشعبية التي كانت تحمل الكثير من الدلالات الاجتماعية المميزة من ألفة ومحبة ما بين الأهل والأصدقاء والجيران في الحي الواحد، وقد سميت هذه الجلسات "جلسة قناق".

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 8 حزيران 2015، المتقاعد "رضوان السلومي"؛ وهو من سكان مدينة "حمص" الأصليين، الذي حدثنا عن هذه السهرة بالقول: «جرت العادة في "حمص" أن يجتمع الأهل والأصدقاء كل يوم خميس في بيت أحد رجال الحارة، حيث يقوم صاحب العزيمة بدعوة الرجال من داخل وخارج الحارة إلى بيته.

وتتميز هذه السهرات بحضور مختار الحارة وشيخ الجامع، وكانوا لا يتحدثون عن أحد بالسوء أبداً، إلا في هموم ومشكلات الحارة وكيفية حلها، حيث كان يوجد لكل حارة صندوق لإعانة الفقراء والمحتاجين، ويتشاورون بأحقية هذه الإعانة عن غيره من أهل الحارة لمساعدته في أمور معيشته خصوصاً في شهر رمضان

تبدأ السهرة بعد صلاة العشاء، ويجلب صاحب السهرة منشدين دينيين أو مطربين شعبيين لإحياء السهرة، حيث تنحصر بالمواويل "السبعاوية" المشهورة والأناشيد الأندلسية القديمة، كما يقوم أحد الشباب في السهرة برقصة تناسب الأغنية أو النشيد».

مع صافي ربوح

بالنسبة لأجواء السهرة والأكل والشرب يضيف "السلومي": «من الضروري أن يحتوي العشاء على "المناسف"، ويجب وضع رأس الخروف في منتصفه، ليظهر أنه ذبح خروفاً كاملاً لهذه المناسبة، وبعد العشاء يقدم الحلويات التي تصنع في المنزل، إضافة إلى "القطايف" والفواكه الصيفية أو الشتوية بحسب الطقس.

فقد كان لكل بيت باحة في المنتصف تزينها شجرة ياسمين وشجرة نارنج وليمون؛ وهذا المنظر يزيد من جمالية السهرة وأجواء الجلسة، حيث يقوم صاحب البيت بتزيين البركة بوضع الياسمين مع الماء إضافة إلى حبات من النارنج.

أما بالنسبة للباس فهو الثوب العربي المؤلف من: "شروال، وصدرية، وشالة" يلبسها الضيوف جميعهم من أجل هذه السهرة، ومن المشروبات التي كانت تقدم بالسهرة الشاي الخمير، والقهوة العربية الأصيلة حصراً، كما تقدم "الأركيلة" العجمي، وهذه المكونات شرط أساسي لجلسة "قناق"».

أما عن تفاصيل السهرة فيحدثنا: «وتتميز هذه السهرات بحضور مختار الحارة وشيخ الجامع، وكانوا لا يتحدثون عن أحد بالسوء أبداً، إلا في هموم ومشكلات الحارة وكيفية حلها، حيث كان يوجد لكل حارة صندوق لإعانة الفقراء والمحتاجين، ويتشاورون بأحقية هذه الإعانة عن غيره من أهل الحارة لمساعدته في أمور معيشته خصوصاً في شهر رمضان».

الشاب "صافي ربوح" (طالب جامعي)، من "حمص" يقول: «في كل مرة أخرج بها من المنزل للسهر مع أصدقائي يخبرني والدي بمقولة: "رزق الله عأيام القناقات"؛ وهو ما يدل على تفاوت كبير بين ذلك الزمن والزمن الحاضر، لكن بفعل الظروف الحالية، وخوف الأهالي على الشباب أصبحت أغلب جلساتنا نشبهها بـ"قناق" العصر الحديث، حيث نجلس كل يوم عطلة عند أحد الشباب ولا نغادر المنزل، بل نأتي بكل مستلزمات الجلسة مع فرق الزمن والعصر».

الباحث "خالد عواد الأحمد" نشر في بحث سابق له عن جلسة "قناق" الحمصية بالقول: «كانت بعض سهرات الماضي تُقام في "القناقات"، و"القناق" لفظة تركية تعني المسافة التي يقطعها المسافر في اليوم، ثم تطورت دلالتها فأصبحت تدل على المكان الذي يبيت فيه المسافر، وفي التعبير الشعبي يقابل هذا المعنى كلمتا "المضافة" أو "المنزول"، كما يقوم على خدمة الضيوف أحد أبناء صاحب "القناق"، ومن "القناقات" التي كانت معروفة في "حمص" في الفترة ما بين خروج "إبراهيم باشا" عام 1840، وحتى خروج الأتراك العثمانيين 1918: "قناق يحيى زهراوي زادة" نقيب أشراف "حمص" قرب قصر "الزهراوي"، و"قناق الميرلاي عبد الحميد بك" مدير الأراضي بـ"حمص وحماة"، كما كانت هذه "القناقات" مقتصرة على الرجال ومحظورة على النساء والأطفال».