شهدت -ومازالت- عدة قرى في محافظة "حمص" وبعض أحياء المدينة عودة تدريجية للكثيرين من أبنائها المهجرين، واستقرارهم مجدداً في منازلهم، وإعادة الحياة إلى تلك الأحياء كما كانت سابقاً، وذلك في ظل تضافر جهود أبنائها.

مدونة وطن "eSyria" تابعت هذه القضية، وأجرت مجموعة من اللقاءات مع عدد من المعنيين بهذا الموضوع الذين تحدثوا عن خبراتهم في هذا الشأن، فها هي الآنسة "دعد حجار" التي أُجبرت على مغادرة منزلها الكائن في حي "الحميدية" في شهر آذار 2012، قد تمكنت بمساعدة فريق "أمان" التطوعي من ترميم ما تضرر من منزلها والعودة إليه بعد ما يقارب السنتين ونصف السنة، تقول: «في ظل وجود مثل هذه الجمعيات الإنسانية، لا يشعر الإنسان بأنه وحيد ومتروك، بل يصبح هؤلاء المتطوعين أهله وإخوته الذين يقدمون له الدعم والمساعدة».

في ظل وجود مثل هذه الجمعيات الإنسانية، لا يشعر الإنسان بأنه وحيد ومتروك، بل يصبح هؤلاء المتطوعين أهله وإخوته الذين يقدمون له الدعم والمساعدة

وأضافت: «في البداية عندما أخبروني بإمكانية عودتي إلى منزلي فرحت، لكنني في نفس الوقت كنت حزينة لأنه ليس لدي القدرة على دفع تكاليف ترميم ما تضرر من المنزل، لكن بعد أيام اتصل بي "يزيد جرجروس" من فريق "أمان" وأخبرني أنهم كفريق تطوعي سيعملون على إصلاح ما تضرر من منزلي لأتمكن من العودة إليه والسكن فيه من جديد، فكان خبراً مفرحاً بالنسبة لي لشدة اشتياقي للعودة إلى منزلي وإلى الحي الذي عشت فيه معظم أيام حياتي».

"دعد حجار" العائدة إلى منزلها بعد فترة من التهجير

وفي لقائنا مع السيدة "رمزة ملحم" البالغة من العمر ثمانين عاماً، التي هجّرت من منزلها في حي "باب السباع" في نهاية العام 2011، قالت: «أشعر بالسعادة لعودتي مجدداً إلى منزلي بعد تهجيري منه لما يقارب الثلاث سنوات، أحسستها وكأنها ثلاثون عاماً لما عانيته من قسوة الأيام وتكاليف إيجار البيت المرهقة؛ وأنا صاحبة دخل مادي بسيط جداً، وتقدّمي بالسن لا يسمح لي بالعمل والكسب المادي، فعشت في شوق مستمر إلى البيت الذي لطالما أشعرني بالراحة والسلام والاستقرار مع ابنتي العازبة، والحمد لله وبفضل المساعدة المالية الحكومية التي حصلت عليها، وبعض الخدمات التي قدمتها عدة جمعيات إنسانية وأهلية في الحي تمكّنت من إعادة ترميم وإصلاح ما تم تخريبه في المنزل، وعدت للاستقرار فيه مجدداً».

يرى الشاب "وجيه جبيلي" أحد المتطوعين الذين يساهمون في تقديم الخدمات لمساعدة المهجرين في "حمص القديمة" أن مسألة توافر السيولة المالية والدخل المادي؛ مسألة أساسية في اتخاذ قرار العودة للعائلات المهجرة إلى منازلها، فقد أصبحت أعمال الإصلاح وإزالة الأنقاض والترميم مكلفة جداً، ومعظم المنازل تحتاج إلى مبالغ كبيرة لإعادة إصلاحها وتجهيزها للسكن من جديد، ونحن كشباب متطوعين نساهم قدر ما نمتلكه من همة وخبرات بسيطة بتوفير الأعباء المادية الكبيرة التي تترتب على عودتهم، انطلاقاً من واجبنا الوطني تجاه هؤلاء الناس المتضررين، وفي ظل عمل جماعي ممتع يكسبنا الخبرة ويشعرنا بالرضا والسعادة، لذا أتمنى من كل شاب وشابة المبادرة والتعاون معنا لتقديم الدعم والخدمات التطوعية للمساهمة بعودة الأهالي، ومساعدتهم للاستقرار من جديد في أحيائهم لتعود إلى سابق عهدها».

من خدمات مشروع الترميم الذي يقدمه فريق "أمان التطوعي"

وفي لقائنا مع السيد "يزيد جرجوس" أحد المبادرين البارزين في العمل الإنساني في مدينة "حمص"، رئيس فريق "أمان للتنمية والإغاثة والخدمات"، الذي كانت له مساهمات مهمة في تشجيع الأهالي على العودة إلى منازلهم ومساعدتهم في ذلك، قال: «بعد عودة الأمن والاستقرار إلى "حمص" القديمة اتجهنا كفريق مؤلف من مجموعة شباب متطوعين للعمل على عدة خطوط متوازية تهدف جميعها إلى دعم عودة الأهالي إلى منازلهم، وعودة الحياة إلى ما كانت عليه قبل خروجهم من تلك الأحياء وتفريغها بوجه شبه تام لمدة تقارب العامين.

وأضاف: «عملنا بداية على إزالة الأنقاض لبيوت أناس ليس لديهم من يساعدهم في ذلك، وقدمنا المساعدة لجهات اعتبارية كجمعية "عضد الفقراء" ومقرّ المستوصف الغساني، فأزلنا الأنقاض منه على عدة مراحل، وساعدنا في نقل المعدات الصالحة للاستعمال إلى المكان الآخر الذي سيعملون فيه.

شباب فريق "أمان" أثناء عملهم في إزالة الأنقاض في "حمص القديمة"

وقمنا بدعم المشاريع الصغيرة وخاصة أول خمس فعاليات تجارية تم افتتاحها في حيي "الحميدية" و"بستان الديوان"، وساهمنا بتزويد أصحابها بما يلزم للانطلاق في العمل والاستمرارية، وشارك فريقنا في مشروع مكافحة القوارض بدعم من "دائرة العلاقات المسكونية" في بطركية الروم الأرثوذكس، حيث أمّنوا المواد اللازمة وواصلوا معنا لتنفيذ المشروع على الأرض في أكثر من حي في "حمص القديمة".

ثم عملنا بما يسمى الاستبيان وفق استمارة علمية مدروسة للخروج بنتائج واقعية وحقيقية؛ بعد دراسة حالة هؤلاء الأهالي الذي عادوا إلى "حمص القديمة"، وجمع معلومات شاملة ومتنوعة عنهم فريق عمل زيارة في البيوت (تاريخ عودتهم - حالة العودة كاملة أو مؤقتة أو تبادلية - أهم الحاجات وأهم الصعوبات) للاستفادة منها في معرفة وتقدير احتياجاتهم وإمكانية تلبية هذه الاحتياجات، وتقديم الخدمات اللازمة لهم من قبلنا أو من قبل جمعيات أو جهات أخرى معنية».

وعن مساهمة الفريق في ترميم منازل الراغبين بالعودة إليها قال "جرجوس": «يعد الترميم المشروع الأهم بالنسبة لنا، فنتيجة للدراسة والاستبيان الذي أجريناه تبين لدينا أن الحاجة الأولى لـ"حمص القديمة" هي الناس، والحاجة الأهم لتشجيعهم على العودة هي إعادة الإعمار والترميم، فاتجهنا لمساعدة الشريحة الأكثر حاجة لتقديم خدمات الترميم إليها، وبإمكانيات متواضعة وبدعم ذاتيّ بسيط قمنا إلى اليوم بترميم ما يقارب الثلاثين منزلاً في أحياء "حمص القديمة"، شملت خدمات بناء جدار، وإغلاق فتحة في الجدار، وتركيب أبواب ونوافذ وغيرها.

ونتمنى من لجان الأحياء التي تشهد عودة المهجرين إليها أخذ دورهم المطلوب منهم، والاهتمام أكثر بالتنسيق مع الجهات المعنية لتقديم الخدمات اللازمة لتلك الأحياء وبالسرعة القصوى».