منحت التكنولوجيا والحداثة الناس سهولة في كل مجالات الحياة وأحد أبسط تلك التسهيلات هو تاريخ حياتهم والسنوات التي تحدد هذا التاريخ، ولم يمتلك الأجداد فيما مضى هذه السهولة وإنما اعتمدوا وسائل لا تخلو من الفكاهة والذكاء.

فـ"الثلجة الكبيرة"، "موسم الحصاد"، "غزوة الجراد" أو "الفيضة السوداء" مسميات شعبية وأحداث وثقت ميلاد كثير من الأشخاص في مجتمعنا الشرقي، إضافةً إلى توثيق عدة مناسبات وارتباطها بوسائل أخرى كما وصف الجد "جرجس مخول" عندما التقته مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 3/4/2013، مشيراً بالقول: «فيما سبق عندما كنا صغاراً لم يكن هنالك من تقويم مطبوع لنستعين به فكان بعض الكبار في السن والكهنة يستخدمون حبوب "الحمص أو الفول" اليابس بعدد أيام العام ويضعونها في جيب خاص ضمن ملابسهم وينقصون حبة عن كل يوم يمضي إلى أن يصلوا إلى اليوم المراد ومنها أيام الأعياد، وعندما يولد أحد الأطفال كنا نربط ميلاده بحدث طبيعي خارج عن المألوف يبقى حاضراً في ذاكرة الناس كالثلجة التي استمرت أربعين يوماً، أو فلان الذي مات في فيضان النهر الكبير، أو فلان آخر تزوج مع بداية الحصاد وغيرها».

مع انتشار المسيحية في العالم وبداية في بلاد اليونان التي كانت في الأساس تعبد الشمس اعتمد التقويم الشمسي وأصبح رسمياً في الإمبراطورية على زمن "قسطنطين"

مع وصول التقويم إلى شكله الحالي والطريقة التي ينظم بها أحداث الحياة مرّ برحلة طويلة خلطت بين التاريخ والدين، وعن النشأة التاريخية تحدث الكاتب والمؤرخ "حنا عبود": «يسير العالم اليوم على تقويمين "شمسي وقمري" لهما أصول لدى الشعوب التي استخدمتهما، فكان البابليون علماء الفلك الأوائل قد ساروا على التقويم القمري الذي اخترعوه والذي اعتمد على القمر في تقسيم العام ليصبح 365 يوماً وتبعهم كل من اليهود والعرب باستثناء مصر التي كانت الأولى في تطبيق التقويم الشمسي الذي يعتمد على الشمس، وتبعهم أهل بلاد الشام واليونان الذين كانوا في الأساس يعبدون الشمس ويطلقون عليها اسم "شمش" ومن هنا جاءت تسميتها "بلاد الشام" أي بلاد الشمس».

الكاتب والمؤرخ "حنا عبود"

يكمن الاختلاف بين كلا التقويمين في عدد أيام السنة، فالشمسي يتأخر عن القمري بيوم واحد، ومن ثم صحح هذا الفرق بآلية معينة أضاف عنها: «يزيد التقويم القمري عن نظيره الشمسي بيوم واحد، فاضطر مكتشفو الثاني زيادة هذا اليوم على تقويمهم لتستقيم الدورة القمرية مع الشمسية وسمي هذا اليوم باسم يوم "النسيء" أي اليوم المنسي وبهذه الطريقة تساوت أيام السنة في كلا التقويمين وبقي الصينيون، اليهود، الهنود والعرب يعملون بالتقويم القمري حتى حذف العرب يوم "النسيء" ليعود الاختلاف من جديد».

بقي التقويم القمري كما هو، أما الشمسي فخضع لتقسيم آخر وزعه بين الغربي والشرقي ولذلك أصول دينية مع بدء انتشار المسيحية في العالم وعن ذلك تحدث الكاهن "غسان حالوت": «مع انتشار المسيحية في العالم وبداية في بلاد اليونان التي كانت في الأساس تعبد الشمس اعتمد التقويم الشمسي وأصبح رسمياً في الإمبراطورية على زمن "قسطنطين"».

الكاهن "غسان حالوت"

بعد مرور ست مئة عام طلب من عالم الفلك الروسي"غريغوريوس" أن يقوم بحساب عمر السنة الشمسية لوضع تقويم دقيق للعام وعن ذلك يتابع: «وجد "غريغوريوس" أن عمر السنة يبلغ 365 يوماً و6 ساعات وبضع دقائق، وليستقيم الحساب قام بإضافة يوم إلى شهر شباط كل أربع سنوات لتصبح السنة الرابعة "كبيسة"، ليصبح التقويم الغريغوري شاملاً للعالم أجمع، ومع تتالي الحسابات لاحقاً وجد أن مجموع تلك الدقائق زادت عن التقويم "اليولياني" 13 يوماً ببلوغ القرن العشرين، فأضيفت هذه الأيام للسنة وسميت أيام من أجل الإنسانية، ويفسر ذلك بمثال أن (الاعتدال الربيعي حسب التقويم "الغريغوري" يكون بتاريخ 21 آذار بينما حسب التقويم "اليولياني" في 11 آذار)».

أما الاختلاف بين التقويم الشرقي والغربي فجاء نتيجة رفض متبعي التقويم الشرقي إضافة الأيام الثلاثة عشر وبقوا على التقويم "اليوليوسي" في حساب أيام أعيادهم على حد قوله.

أما عن تميز سورية بأسماء الأشهر التي تختص بها عن عن بقية دول العالم فأضاف: «سورية هي مهد اللغة الآرامية ومن ثم أتت أسماء الأشهر المتداولة الآن وهي (تشرين الأول، شباط) من لفظات آرامية قديمة والتي تم تعديلها مع مرور الوقت والدليل على ذلك أن بعض كبار السن مازالوا حتى الآن يلفظون (سباط بدلاً من شباط)».

من الجدير بالذكر أن نهاية العام كانت تختلف من حضارة إلى أخرى وبحسب نوع التقويم المتبع فيها كاليونان.