يعتبر نبات الآس من النباتات التي ارتبط اسمها بمدينة "حمص"، فهذا النبات يعتبره زائرو القبور في أيام الخميس والأعياد هو رفيقهم إلى مقابر حمص (تل النصر – الكتيب) فمنذ الصباح تكون وجهتهم بائعي الآس الذين يفترشون الأرصفة الممتدة من ساحة الساعة القديمة حتى جامع "خالد ابن الوليد".

المقابر تكتسي بثوب أخضر وتفوح منها رائحة طيبة ينشرها نبات الآس فالزائرون يوزعون الآس على القبور عن روح موتاهم.

كان أبي قديماً يبيع الآس وورثت عنه هذه المهنة وأمارسها منذ 15 عاماً، وأنا أعيش من بيع الآس، ولكن أسعاره بدأت بالارتفاع حيث صرنا ندفع أكثر وذلك لقاء أجور العمال التي تقص الآس وكذلك أجور نقله إلى حمص

موقع eHoms تجول بين بائعي الآس والتقى أحد الباعة وهو "محمد محرز اللوش" الذي حدثنا عن هذه العادة الحمصية بالقول: «شراء الآس وأخذه إلى القبور هو تقليد حمصي منذ القدم لكونه ينمو في المناطق المحاذية لمدينة حمص "مصياف وصافيتا" حيث يشتري الأهالي "الآس" ويأخذونه إلى القبور مع بعض الورود فيقرؤون الفاتحة وآيات قرآنية ويسقون القبر بالماء وهذه عادة متأصلة في حمص في أيام الخميس وكذلك أيام العيدين، فالآس والذي يسمى أيضاً "الريحان" هو نبات يتميز باستمرار خضرته لفترة طويلة وبالإضافة إلى كونه نبات ينمو وحده في الأحراش وعلى ضفاف الأنهار كما أنه يثمر وثماره تؤكل عند نضجه وله نوعان: آس ورق عريض وهو يظهر على ضفاف الأنهار أما الآس ذو الورق الناعم فيظهر في الجبال والأحراش وله رائحة طيبة، وفي وقتنا الحاضر يجفف ورقه ويطحن ويستعمل كدواء للأطفال بالإضافة إلى أنه يستعمل كعلاج لمرضى السكري».

السيد محمد محرز اللوش

وعن مهنته كبائع للآس يقول "اللوش": «عمري الآن 68 سنة وأعمل بهذه المهنة منذ أكثر من 35 عاماً حيث نأتي بالآس من المناطق الغربية إلى حمص ويباع الكيلو بسعر 10 ليرات وتتراوح كمية الآس المباع حسب الإقبال فالبعض يشتري بمقدار من 25 – 50 ليرة وهي كمية كافية لتوزع على القبور وبالتالي سعره مناسب للجميع».

أما السيد "وائل موسى" (بائع آس) فتحدث عن وراثته لهذه المهنة بالقول: «كان أبي قديماً يبيع الآس وورثت عنه هذه المهنة وأمارسها منذ 15 عاماً، وأنا أعيش من بيع الآس، ولكن أسعاره بدأت بالارتفاع حيث صرنا ندفع أكثر وذلك لقاء أجور العمال التي تقص الآس وكذلك أجور نقله إلى حمص».

السيدان ائل الموسى ومحمد محرز اللوش

وللاقتراب أكثر من هذه العادة الاجتماعية زرنا مقبرة تل النصر والتقينا بالشاب "داوود الأشقر" الذي قال: «إنني أواظب في كل أسبوع وأيام الأعياد على زيارة قبر والدي الذي توفي منذ ثلاث سنوات وأكلل القبر بأعواد الآس فهي تعطي منظراً جميلاً للقبر وتعبر عن الخضرة الدائمة كما أنني أضع على القبر بعضاً من أنواع الورود والآس أشتريه من البائعين عند جامع "خالد بن الوليد"».

وحول تاريخ هذه العادة وطقوسها في مدينة "حمص" تحدث المؤرخ والكاتب" فيصل شيخاني" قائلا: «تسمية نبات الآس تأتي من الأسى أو الحزن حيث يباع بكميات كبيرة لزائري المقابر، وهي عادة تدل على الاهتمام بذكر الموتى وكذلك هي نوع من التحبب وذكر الماضي، وهو رمز للرحمة والتواصل مع الأسلاف، لذلك يكسو اللون الأخضر المقابر في "حمص" كلون للصفاء والنقاء لكونه يتميز بمقاومته للجفاف والبرد، كما يقال بأن نبات الآس ترشح منه قطرات من الماء تسقي القبر، وترتبط هذه العادة بمدينة حمص نظرا لوجود المزارع الكبيرة لنبات الآس بالقرب من المدينة، حيث يجهز الآس منذ يوم الأربعاء وفي يوم الخميس يشتري الناس الآس وخاصة النسوة اللواتي يحملن الآس تحت ذراعهن وينطلقن نحو المقابر، وقديما كان يقال "زيارة المقبرة بلا آس ما إلها أساس"، و"الجبانة بلا آس ما بتنداس" هذا فضلا عن فوائده الطبية فبعد أن يجف يطحن يمكن استخدامه كدواء لبعض الأمراض الجلدية».

الشاب داوود الاشقر