أحد الرواد البارزين والمساهمين في تطوير الصحافة السينمائية المقروءة والمرئية في سورية، إنه الإعلامي الراحل "رفيق الأتاسي" المولود في "حمص" /1943/.

للتعرف على سيرة الراحل "الأتاسي" موقع eHoms التقى شقيقه المهندس "طموح الأتاسي" الذي حدثنا بداية عن طفولة "رفيق" قائلاً: «كان مقهى "الروضة" سابقاً ملتقى العديد من رجالات مدينة "حمص"، وكان والدي يتردد على المقهى ويصطحب معه "رفيق" ابنه الأكبر منذ طفولته، وكي لا يزعجه خلال جلوسه في المقهى كان يقطع له تذكرة في السينما المجاورة للمقهى ليتابع أحدث الأفلام في تلك الفترة، وشيئاً فشيئاً تعلق هذا الطفل بالسينما، ليقوم بعد عدة سنوات بصنع مجلات فنية تختص بفن السينما، من خلال قصه الصور والمقالات والمعلومات التي يراها مفيدة من عدة مجلات فنية ثقافية، ويجمعها مصمماً مجلات يدوية خاصة بالسينما، وكان يقوم بتأجير هذه المجلات لأخوته ولأصدقائه ومعارفه ليستطيع شراء مجلات أخرى جديدة، لأنها نسخة وحيدة، وكان يؤجرنا المجلة بعشرة قروش لمدة يوم واحد عن السينما والأفلام بذلك الوقت.

وبعد أن أنهى "رفيق" خدمته الإلزامية وفي العام 1971 دعاه الأستاذ "أحمد اسكندر أحمد" من إدارة تحرير جريدة "الثورة" للعمل بالجريدة في "دمشق"، بعد أن كان يتابع كتاباته عن السينما في جريدة "العروبة"، ولبى "رفيق" الدعوة وبدأ العمل في "الثورة" كمترجم من الإنكليزية إلى العربية، إضافة إلى كتابة الزوايا والمقالات النقدية والتحليلية عن السينما، وإجراء المقابلات مع عدد كبير من الممثلين والمسرحيين العرب والأجانب، وتغطية الفعاليات والأنشطة السينمائية

بدأ ولع "رفيق" منذ صغره بتسجيل وأرشفة كافة المعلومات المتعلقة بالفيلم الذي يتابعه على مفكرة خاصة به، فلا يكتفي فقط بتسجيل اسم مخرج الفيلم وكاتبه بل مؤلف الموسيقا التصويرية، ومصمم الديكور وأبرز أبطال الفيلم».

الكتيب الخاص بتظاهرة "أيام رفيق أتاسي السينمائية" لعام 2011

رغبة كبيرة تلك التي انتابت "رفيق" لدراسة السينما بشكل أكاديمي، لكن الظروف حالت دون ذلك، يقول السيد "طموح": «بعد حصوله على شهادة الثالث الثانوي في عمر صغير يقارب ستة عشر عاماً، كان الأهل يرغبون بإرساله لدراسة الهندسة بالولايات المتحدة الأميركية، لكن "رفيق" ودون معرفة أهله كان يراسل مجموعة جامعات أجنبية لدراسة فن السينما حيث كانت لغته الإنكليزية جيدة، لكن مرض والدي في تلك الفترة أوقف مشروع سفر "رفيق" للخارج كونه كان الابن الأكبر للأسرة، فبقي في "حمص" والتحق بقسم الأدب الإنكليزي في كلية الآداب "بجامعة دمشق"، وأثناء دراسته عمل في التمثيل ضمن فرقة المسرح الجامعي وشارك في العديد من العروض المسرحية».

وهنا كانت بدايات كتاباته عن السينما في الصحافة السورية يتابع المهندس "طموح": «بعد تخرج "رفيق" من الجامعة في العام 1964 عاد إلى "حمص" وقام بإعطاء ساعات تدريس لمادة اللغة إنكليزية في ثانوية "عبد الحميد الزهراوي" وفي ثانوية "القصير" لبضع سنوات، ثم التحق بخدمة العلم وأثناء ذلك اجتاحت موجة الأفلام الإيطالية ذات الغموض والدلالات عالم السينما في سورية فبدأ "رفيق" يكتب في جريدة "العروبة" مقالات يتحدث فيها عن الأفلام ويقدم تحليلات نقدية عنها، إلى أن أصبحت له زاوية أسبوعية خاصة وثابتة في الجريدة يكتب فيها عن السينما، وخلال خدمة العلم أسس مع الدكتور "سمير ضاهر" نادي السينما "بحمص"».

درع مجلس مدينة "حمص" للراحل "رفيق أتاسي" تتسلمه زوجته وشقيقه

وأضاف: «وبعد أن أنهى "رفيق" خدمته الإلزامية وفي العام 1971 دعاه الأستاذ "أحمد اسكندر أحمد" من إدارة تحرير جريدة "الثورة" للعمل بالجريدة في "دمشق"، بعد أن كان يتابع كتاباته عن السينما في جريدة "العروبة"، ولبى "رفيق" الدعوة وبدأ العمل في "الثورة" كمترجم من الإنكليزية إلى العربية، إضافة إلى كتابة الزوايا والمقالات النقدية والتحليلية عن السينما، وإجراء المقابلات مع عدد كبير من الممثلين والمسرحيين العرب والأجانب، وتغطية الفعاليات والأنشطة السينمائية».

بعد ذلك تدرج "رفيق" في العمل الصحفي ومن ثم انتقل للعمل في التلفزيون، يقول "طموح": «عاماً بعد عام تدرج بعمله الصحفي في "جريدة الثورة" وأصبح رئيس القسم الثقافي في الجريدة، وفي فترة من الفترات استلم إدارة تحرير جريدة "الموقف الرياضي" لما لديه من اهتمامات رياضية، وكان يتابع ويحضر معظم المهرجانات السينمائية العربية والأجنبية بدعوة اسمية كعضو في اتحاد الصحفيين العرب عن الصحافة السينمائية.

الإعلامية "نور الأتاسي" ابنة الراحل "رفيق الأتاسي"

وعندما طلب التلفزيون السوري وجوهاً جديدة للعمل كمذيعين ومعدي برامج بادر "رفيق" للتقدم للعمل في التلفزيون، وتم قبوله فأعد وقدم العديد من البرامج التلفزيونية المتعلقة بالسينما، ومن أبرز هذه البرامج برنامجه الشهير "وثائق سينمائية" الذي كان يعرض على الفضائية السورية، وقد أعده الراحل وقدم فيه معظم الأفلام الوثائقية التي أنتجتها المؤسسة العامة للسينما. إضافة إلى إعداد وتقديم برنامج "المضحكون"، وهو من إنتاج عام 1996 ويتألف من خمسين حلقة ومدة كل حلقة ساعة تلفزيونية تقريباً، يتناول البرنامج في كل حلقة سيرة وأعمال أحد النجوم في الدراما السورية والوطن العربي مع استعراض نقدي لجهودهم في هذا المجال، إضافة إلى إعداده وتقديمه برامج تلفزيونية أخرى في التلفزيون العربي السوري هي: برنامج "فيلم وتعليق" وبرنامج "قضايا في السينما العربية" وبرنامج "الفن السابع"».

وأضاف: « مشروع "رفيق" كان مشروع الثقافة بشكل عام، وأعتقد أنه حقق جزءاً كبيراً منه عن طريق وسائل الإعلام ومن خلال مشاركته بفعاليات العديد من النوادي السينمائية ومشاركته في أنشطة ومهرجانات السفارات الأجنبية في سورية والتي كان يحاضر فيها ويقدم تحليلات عن الأفلام البلغارية والرومانية والإسبانية والروسية إضافة إلى عدد من المراكز الثقافية العربية، وحقق مشروعه الثقافي من خلال ترؤسه ومشاركته في التحضير للعديد من دورات مهرجان "دمشق السينمائي".

وقد كانت المؤسسة العامة للسينما، إحدى أهم أحلامه كجهة ترعى السينما في سورية، وقد نادى لها في كتاباته ومحاضراته حتى تحقق هذا الحلم على عهده».

وختم شقيق الراحل "رفيق الأتاسي" حديثه بالقول: «رحل "رفيق" في شهر شباط عام 2001 وبعد رحيله بادرت أسرته مع بعض أصدقائه وبالتعاون مع المؤسسة العامة للسينما إلى إطلاق تظاهرة "أيام رفيق الأتاسي السينمائية" منذ العام 2002 بمناسبة ذكرى رحيله الأولى وبدأت التظاهرة في "دمشق" ثم انتقلت في العام التالي إلى "حمص" وأصبحت تقليداً سنوياً يتم خلالها عرض مجموعة من الأفلام السينمائية ذات النوعية المتميزة غير التجارية، ونأمل كعائلة للراحل "رفيق" ونسعى أن تصبح هذه التظاهرة مهرجاناً سينمائياً على مستوى أكبر يتم دعمه من مجلس محافظة "حمص" ليكون تقليداً في "حمص" كتكريم "لرفيق الأتاسي"».

وللتعرف على رأي أحد أفراد أسرة الراحل "رفيق الأتاسي" فيه وبعلاقاته بأسرته التقينا ابنته الإعلامية "نور الأتاسي" فقالت: «سأبدأ من الثقافة كمشروع سعى والدي ووالدتي معاً إلى غرسه في أبنائهما: "شوكت" و"نور" و"يزن"، حيث أذكر أن هديتنا الدائمة كانت الورقة والقلم والكتب والقصص، بدايةً من قصص المكتبة الخضراء ثم دار العلم للملايين وصولاً إلى مكتبة الوالد الذاخرة بأهم الكتب من روايات ومسرح ودراسات نقدية وسير ذاتية وفلسفة وتاريخ، والـموسوعة الضخمة التي كانت بالنسبة لنا في حينها غوغل اليوم، فقد دأب والدي على تشجيعنا على البحث عن المعلومة التي نريد من خلال هذه الموسوعة التي ضمتها مكتبتنا، بالإضافة إلى أهم المجلات المختصة في الشأن السينمائي والمسرحي والرياضي فقد كانت الرياضة توازي السينما في عشق والدي لهما، وكانت هذه المكتبة تتنوع بين اللغتين العربية والانكليزية مما أعطانا الفرصة أنا وإخوتي لنتقن اللغة الانكليزية ونستمتع بها وليصبح الأدب العالمي والثقافة العالمية جزء من ثقافتنا».

وأضافت "نور": «هذا بالإضافة إلى العروض المسرحية الخاصة بالطفل التي كنا نحضرها في المركز الثقافي الروسي والعروض الإيمائية والاستعراضية على مسارح "دمشق": "القباني" و"الحمرا" ومسرح "نقابة العمال" ومسارح المراكز الثقافية العربية.

وأما السينما فقد كانت جزءاً من يومياتنا سواءً بالذهاب إلى صالة العرض السينمائي أو بمتابعة أحدث وأهم الإصدارات السينمائية العالمية الأميركية والأوروبية والعربية عبر أشرطة الفيديو، كنت طفلة صغيرة لا تتجاوز العشر سنوات عندما بدأت أرافق والدي إلى مهرجان دمشق السينمائي وأحظى بفرصة لقاء كبار النقاد والمخرجين والنجوم والمنتجين المختصين بالسينما، فتاة في عمر التاسعة أو العاشرة بدلاً أن تكون متعتها في ألعاب الأطفال كانت قمة المتعة في أن أجالس وأستمع وأستمتع بحديث هذه النخبة من المثقفين الذين كنت مفتونة بهم.

وقد ضم بيتنا في أمسياته الدمشقية السينمائيين والأدباء والتشكيليين والصحفيين والفنانين، وكانت جلساته الاجتماعية ثقافية بامتياز حيث تدور الأحاديث حول الأدب والفن والسينما والسياسة».

وتابعت الإعلامية "نور" حديثها عن والدها: «أذكر بإعجاب كيف حوّل والدي طاولة المائدة في منزلنا إلى ورشة تحرير وإخراج لمجلة "الحياة السينمائية" التي تصدر عن وزارة الثقافة في سورية، حيث لم يكن للمجلة في بداياتها مقر فكانت طاولة الطعام التي لم تثن المؤسسين عن عشقهم وولعهم بما يقومون به بل كانت حافزاً للعطاء والاستمرارية.

في هذا البيت نشأت وكبرت وضمن هذه البيئة تشكل وعيي ونمت أفكاري وتأسست شخصيتي فكان عالم الإعلام والتلفزيون وما يزال ساحراً بالنسبة لي، لقد كانت أداة دراستي هي المايكروفون حيث كنت أحفظ دروسي على أنني مذيعة.

اليوم لا أتخيل نفسي إلا في موقع الإعلامية السورية "نور الأتاسي" ابنة الناقد السينمائي "رفيق الأتاسي"، الذي لم يراها على الشاشة لكنه أوصلها بيديه منذ أن كانت تلك الطفلة التي ترافق والدها إلى مبنى التلفزيون العربي السوري مفتونةً به من الجسر الخشبي المطل على نهر بردى وصولاً إلى الاستوديو حيث الكاميرات والإضاءة وسحر العمل».

جدير بالذكر أن الراحل "الأتاسي" أسس مجلة الحياة السينمائية، وكتب لمجلة Varity الأميركية المختصة بالشأن السينمائي، وكان السوري الوحيد الذي يكتب لهذه المجلة عن السينما السورية.

وقد استلم "الأتاسي" مدير دائرة برامج الفضائية السورية منذ تاريخ انطلاقتها، كما كان له زاوية أسبوعية في جريدة الثورة بعنوان "أبجد هوز" ناقش فيها بشكل نقدي ساخر أهم القضايا الاجتماعية.

وقد تم تكريم الراحل "رفيق الأتاسي" بعد وفاته عام 2008 في "حمص" من قبل لجنة "أسبوع مار اليان الثقافي" في الدورة الثالثة للأسبوع بتقديم درع المهرجان وشهادة تقدير لأسرته.

كما كرّم "مجلس مدينة حمص" في مهرجانه السنوي عام 2010 الراحل "الأتاسي" كأحد الشخصيات البارزة في ميدان الصحافة السينمائية السورية، حيث قدّم رئيس مجلس المدينة درع مدينة "حمص" لأسرة الراحل.