على الرغم من تنوع الألوان الموسيقية، ودخول الألحان الغربية إلى العديد من أساليب العزف، إلا أنه ما يزال هناك من يحتضن التراث الموسيقي العربي ويحافظ عليه، كي لا يصبح طي النسيان، وأحد أبرز من يولي هذا الجانب اهتمامه، فرقة "نادي دوحة الميماس" التي تأسست في مدينة "حمص" عام /1933/، مركّزة اهتمامها في أساليب العزف والأداء الغنائي والآلات الموسيقية على إحياء الغناء العربي والموسيقا العربية، كالموشح والقصيدة والدور والارتجالات، بما فيها الموال البغدادي والمصري، والسماعيات والبشارف واللونغات.

في الوقت نفسه واكبت هذه الفرقة متطلبات العصر الحديث التي فرضت استخدام بعض الآلات الحديثة القادرة على مصاحبة الغناء العربي مثل آلة "الأورغ الكهربائي" التي تم توليفها بما يخدم أساليب الغناء العربي من جهة، وينسجم مع الاتجاه الأول الذي أقره مؤسسو النادي منذ ثلاثينيات القرن العشرين من جهة ثانية.

نحرص دائماً على المشاركة في مختلف المناسبات الاجتماعية والثقافية في "حمص" وخارجها، خاصةً في المراكز الثقافية والجمعيات الخيرية، وذلك من خلال تقديم برامج الفرقة الفنية المتنوعة بحيث نلبي حاجات الجمهور المختلف، من تقديم وصلات الموشحات والأدوار والقدود والأغنيات الحديثة التي تنسجم مع طبيعة الغناء العربي المعاصر

ولمعرفة أوسع على أساليب عمل هذه الفرقة eHoms التقى الأستاذ "محمد بري العواني" رئيس نادي "دوحة الميماس" الذي ابتدأ حديثه عن أساليب العمل مع الهواة من المغنّين والموسيقيين قائلاً: «لقد تم اتباع طريقة المدرسة القديمة في تعليم الراغبين، عن طريق الانخراط في العمل المباشر عزفاً وغناءً، خاصةً فيما يتعلق بالمقامات العربية والأوزان الإيقاعية وأساليب استخراجها وأدائها وضربها، مع التأكيد على تحفيظ الكثير من الموشحات والأدوار وغير ذلك، كأنماط غنائية تراثية تصبح شواهد وأمثلة على ما تم حفظه من مقامات وموازين، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على عمل الفرقة الموسيقية».

السيد "محمد بري العواني"

وفيما يتعلق بتلبية الاحتياجات الفنية لهذا العصر، يقول "العواني": «إذا كانت الموسيقا العربية، تتميز بالبطء اللحني والغنائي والإيقاعي بسبب تركيزها على الجانب الطربي، ما جعلها ملتصقة بالغناء تحديداً وبالشعر العربي على الأخص، فإن النادي بمشروعه الموسيقي الثقافي ما زال يتبع هذه المنهجية، في حال تقديم التراث الغنائي والموسيقي كما هو، غير أن النادي لم ينقطع عن مسايرة تطورات العصر الراهن، خاصة بعد ظهور الموسيقا الإلكترونية والآلات الصاخبة، وما لحقها من تطور وتسارع في شتى العلوم والفنون- خاصة بعد الثورة التكنولوجية- وأمرٌ كهذا دفعنا إلى أن نتوقف طويلاً عند الجمهور المتلقي، لتحقيق قدر كبير ما ينسجم مع تماهيه في تلك السمات العصرية، لهذا أعدنا النظر في أساليب أدائنا للموشحات والأدوار والطقاطيق، بحيث عملنا على مستويات عدة».

وعن هذه المستويات التي اتبعها نادي "دوحة الميماس" لمواكبة التطور العصري في الموسيقا قال "العواني": «أبرز ما عملنا عليه في هذا المجال تسريع الإيقاعات من حيث المحافظة على اللحن وانسجام النغمات وتتالي الإيقاعات التقليدية كما هي، باعتبار أن الزمن الموسيقي قابل للمد والتطويل وللقصر، بسبب مرونته الرائعة، ولهذا فإن ما يبدو تمطيطا للكلام في أساليب الأداء القديمة يمكن أن يعود إلى أصوله في النطق الطبيعي دون أن يفقد أي سمة من سماته.

الفرقة في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي

كما عملنا على كتابة مقدمات موسيقية لبعض الموشحات، لكونها تفتقد في الأعم الأغلب إلى تلك المقدمات، كما هي الأغنية الحديثة، وبما ينسجم مع طبيعة اللحن والإيقاع، إضافة إلى عملنا في كتابة لوازم موسيقية داخل جمل الموشح أو الدور حين تكون الجملة اللحنية طويلة متبوعة بجملة لحنية بنفس الطول أيضاً، لأن ذلك يشكل عبئاً على المغني من حيث التنفس، ولكن ذلك يشكل عبئاً أكبر حين يكون المغني هو مجموعة "كورالاً" من المغنين».

وأضاف "العواني": «وفي هذا المجال أيضاً كثيراً ما لجأنا- خاصةً في الموشحات- إلى التعديل في الميزان الموسيقي الطويل من خلال تجزيئه إلى موازين قصيرة، إذا كان هذا الميزان قابلاً للقسمة إلى موازين أصغر، دون أن نُخل بالبنية الأساسية للإيقاع، أما فيما يتعلق بالموشحات التي كانت تؤدى بأسلوب جماعي، فعملنا على توزيعها بين أصوات إفرادية بالتناوب مع مجموعة "الكورال" لإضفاء مزيد من الحيوية والحركة، وهذا ما يُقرّب الموشح من فن الدور الغنائي "المصري" بحيث يظهر الغناء تناوباً تردادياً بأسلوب "الهنك" المتبع في الأدوار الموصوفة».

في التسعينيات من القرن الماضي

وعن الدور الذي تلعبه الفرقة على مستوى "حمص" للحفاظ على الموسيقا العربية القديمة، يطلعنا "العواني" بأنه: «منذ ثلاثينيات القرن الماضي لعبت الفرقة دوراً بارزاً في الحفاظ على التراث الموسيقي والغنائي العربيين، انطلاقاً من إيمان مؤسسيه المثقفين الوطنيين بالدور الخطير في مقارعة الثقافة الفرنسية الغربية، ولهذا كان أحد أهم أهداف الفرقة وبالتالي النادي هو إحياء فنيّ التمثيل والموسيقا العربيين، لذلك عقد النادي أواصر الصداقة مع كبار الموسيقيين السوريين أمثال: الشيخ "علي الدرويش الحلبي"، و"عبد اللطيف النبكي الناياتي"، والشيخ "حيدر الجوادي العراقي"، والشيخ "محمد نور الشيخ عثمان" وهم أقطاب الموسيقا العربية على مستوى الوطن العربي».

ويتابع "العواني" بالقول: «إن جمهور "حمص" بعامة هو جمهور يميل إلى التراث الموسيقي والغنائي التقليدي "الطربي"، ودليل ذلك أنه منذ ثمانينيات القرن الماضي ظهرت فرقٌ موسيقية وغنائية تراثية مثل: "فرقة حمص لإحياء التراث" التي يقودها الفنان المهندس "عيسى فياض"، وفرقة "نقابة المعلمين" التي قادها المرحوم "محي الدين الهاشمي"، وفرقة "إنشاد الغسانية" التي قادها الفنان "مرشد عنيني"، ما يعني أن العناية بالتراث لا تنبع من كونه قديماً، قدر ما يعني أنه يحمل في أعماقه أصولاً علمية، وقيماً جمالية، وروحية، وأخلاقية، نبعت من التراث الثقافي والعلمي والفكري للأمة العربية، وأمرٌ كهذا يعني أن فرقة نادي "دوحة الميماس" لم تكن نشازاً في العصر الحالي بل إنها أثبتت مصداقية مؤسسيها، ومصداقية الموسيقا العربية، بدليل عودة الكثير من الفرق الموسيقية السورية والعربية إلى هذا التراث، خاصةً حينما قامت مؤتمرات الموسيقا العربية بتشجيع الفرق على إعادة إحياء فنون الغناء العربية والموسيقية».

أما بالنسبة للأنشطة التي تقوم الفرقة فيها اليوم، يقول "العواني": «نحرص دائماً على المشاركة في مختلف المناسبات الاجتماعية والثقافية في "حمص" وخارجها، خاصةً في المراكز الثقافية والجمعيات الخيرية، وذلك من خلال تقديم برامج الفرقة الفنية المتنوعة بحيث نلبي حاجات الجمهور المختلف، من تقديم وصلات الموشحات والأدوار والقدود والأغنيات الحديثة التي تنسجم مع طبيعة الغناء العربي المعاصر».

وختاماً عن طموح الفرقة والنادي بشكل عام يقول "العواني": «لدينا اعتقاد في النادي أن ما نقدمه مهمٌّ جدّاً ضمن المرحلة الحاضرة، لكن هذا لا يعني التوقف عن الطموح نحو الأفضل، خاصةً إذا امتلكنا أصواتاً قادرة، وعازفين مهرة، ولهذا فإننا نعمل دوماً على تنويع برامجنا، التي تتضمن وصلاتٍ أكثر تعقيداً من حيث الغناء، وأنماطٍ موسيقية أيضاً هي أكثر تركيباً، وتتطلب أساليب أداءٍ مختلفة عن الأساليب التقليدية، ولهذا فإننا نعتقد أن استمرار الفرقة مدى خمسة وسبعين عاماً دليل على صحة وصواب ما ذهبنا إليه، وما تم إنجازه وما سوف ينجز في المستقبل».