هي حلم قديم لستّة أصدقاء, يجمعهم الإيمان بقدرة الفن على تغيير الواقع, والتّعبير عن النّفس البشريّة بهدف الاندماج بالنّاس، لا التّميّز عنهم كما يقولون دائما في حفلاتهم.

يترجمون أفكار قلوبهم إلى تراتيل، وأغان دينيّة وإنسانية, محاصرة بأعمق طبقات الوعي، والإبداع، وحب الفرح، والسّلام, في محاولة لترسيخ مفهوم حوار الثّقافات، الحضارات، والأديان، لا صراعها. فرقة ذكريات الحمصية المؤلفة من الطلاب والطالبات الحماصنة في المعهد العالي للموسيقا (الكونسرفتوار بدمشق) هكذا قدّمت نفسها لجمهور مدينة حمص في برنامجها الأوّل عام 2004. ما يميز فرقة ذكريات أنها جمعت بين أفرادها طاقما من كافة شرائح وطوائف المجتمع السوري اتحدوا جميعهم في برنامج موسيقي وغنائي واحد في موسم الأعياد هذه السنة تحت عنوان (فكر بالموسيقا.... وغني معنا لله والحب والإنسان ).

موقع eHoms التقى شباب الفرقة، وعن بدايات الفرقة وتأسيسها قالت المغنية الأولى ومدربة الكورال خريجة المعهد العالي للموسيقى ليندا بيطار: " دراستي في المعهد أبعدتني جدا عن مدينتي (حمص) بسبب الالتزامات والسفر الدائم حيث كان يراودني شعور ودافع لاستغلال ما تعلمته بالمعهد لتأسيس فرقة أكاديمية في حمص، وتقاطع هذا الشعور مع أفكار أصدقائي وزملائي الحماصنة في المعهد. كانت بداية الفرقة التي اعتبرها من بين أكثر الفرق التي استمتع بالعمل معها لما تضمه من أشخاص موهوبين جدا بالموسيقى وأشخاص يحبون العمل بصدق وبمحبتهم لبعضهم البعض وتقبلهم للدروس والتطوير حيث أقوم بوضع كل خبرتي بالدروس, وأركز على التفاصيل الموسيقية الدقيقة في تدريب الأصوات مثل (الفورتي + بيانو وغيرها) وتعليمهم سماع أنفسهم وتوحيد الإحساس بالصوت ".

وتتابع بيطار قائلة:" ذكريات تقدم الابتهالات والتراتيل الدينية الخاصة بها كتابة، وتلحين، وغناء، وهي حاضرة دائما في الأعياد، والمناسبات الطقسية، لتقديم الريستالات،والأمسيات".

واجهت فرقتنا الشابة صعوبات مادية جمة عن هذه التجربة، والصعوبات التي واجهتها الفرقة قال عازف الناي والكوله طالب المعهد العالي للموسيقى إبراهيم كدر: " بالنسبة للتجربة الدينية فهي كانت لكسب غنى التراث الديني وتوظيفه لخلق موسيقى متطورة ومعاصرة وهذا بالتأكيد يعتمد على الحرفية العالية للعازفين والمغنين، ولكن الصعوبات المادية كانت دائما العائق الأكبر للمضي قدما، نتيجة التفكير السائد لدى أهالي حمص المدينة التي فيها أكبر نسبة مثقفين في سورية وبنفس الوقت هي المدينة الأقل تشجيعا في الرعاية المادية للمواهب الجديدة لغياب الفكر الاستثماري، فلم نجد سوى رجل واحد ساعدنا ماديا ومعنويا وتبنى الفكرة برمتها هو الأب "ميشيل نعمان" الذي قدّم لنا الكثير، لأن جميع اللذين شاهدوا الحفل أشادوا بالفرقة وبضرورة استمرارها ولكن للأسف قلة قليلة منهم حاولت مساعدتها".

انطلقت ذكريات موسيقيا على مستوى سورية من خلال حفلين ضخمين في معرض دمشق الدولي العام الماضي، حيث تحول الستة إلى خمس وعشرين عازفا, عن هذه المشاركة وتأهيل العازفين أكاديميا قال جميل عماري العازف الأول في الفرقة، وهو عازف في الفرقة الوطنية وطالب في المعهد العالي للموسيقى بدمشق:" نحن لسنا فرقة خاصة بالترانيم الدينية فقط بل نقدّم الموسيقى، والأغاني الدنيوية بأسلوب موزع وأكاديمي, وقد كانت لنا أمسيتان رائعتان في معرض دمشق الدولي العام الماضي وكان البرنامج تحت عنوان " ثقافات " حيث قدّمنا فيه قطع (سورية ولبنانية وتركية ومصرية ويابانية وانكليزية) بالإضافة إلى أعمال أخرى خاصة بالفرقة".

تميزت "ذكريات" منذ ظهورها الأول بالاحترافية والعمل على أدق التفاصيل من برشور الحفل وحتى لباس الفرقة وتأهيل الكورال بشكل أكاديمي، وعن كل هذه الأمور تحدث "الصوليست" فادي كدر قائلاً: "من يستطيع العمل بإيمان يحصد النجاح إلى جانب الحب العميق لفرقة ذكريات أنشأنا دروس النوتة للكورال بالإضافة إلى المقامات وبعض الإيقاعات، والصولفيج حتى تنمو ثقافة المغني كاملة وبذلك أصبحنا أول كورال في حمص يقرأ ويكتب النوتة الموسيقية، وحرصنا على متابعة أدق التفاصيل الغنائية (النًفًسّْ والعُرب، حتى الابتسامة أثناء الغناء وكيفية إمساك المصنف) وقد نظمنا في إحدى الحفلات(33) طفل وطفلة وحدنا أصواتهم وحركاتهم، أما التفاصيل الإدارية فهي أيضا مهمة جدا لأننا نعمل كل شيء بأيدنا حتى تعليق اللافتات قبل الحفل وتشغيل المكيفات في الصالة وإخراج البروشور كل ذلك كنا نتابعه بأيدينا باحترافية عالية حتى يكون العمل كله في سوية واحدة".

بالرغم من كل الصعوبات التي واجهت شباب فرقة ذكريات والمعارك التي تخوضها من أجل الاستمرار إلا أن الفرقة وكما علمنا من القائمين عليها تحضر نفسها لإطلاق برنامجها الموسيقي الدنيوي في غضون الشهور القليلة القادمة، وتتمنى من كافة الفعاليات التجارية المبادرة إلى دعم الفن و الموسيقى، ومحاولة الأخذ بيد الفرق الناشئة لأنها غالبا ما تعاني من صعوبات مادية كبيرة