تأبى النسيان، وما تزال بقايا حجارتها صامدة تروي تاريخاً طحنت فيه الحب والذكريات، استزاد من طحينها كل سكان قرية "حياكة" وما جاورها، وفي فيئها استظلوا وغدت بذلك مطحنة "الباشا" ملتقى الأحباب.

يذكر الحاج "نجم الدين سليمان كردي" أحد أبناء القرية لمدونة وطن esyria بتاريخ 24/4/2013 أن عمر المطحنة يتجاوز المئة عام. فقد تم بناؤها قبل عشرينيات القرن المضى وكانت ملكاً لعائلة "نايف الباشا" وكان يشرف على بنائها المرحوم "يوسف الهوستا"، وهو من أشرف على بناء جميع مطاحن القرى تقريباً، ومع مرور الزمن باعتها العائلة المذكورة لعائلتي "صورو إيليا، بولص عبد الأحد"».

كثيرة هي المرّات التي انتظرنا أمام تلك المطحنة ليصل دورنا، والشيء المميز فيها أنها تقع في منطقة مكتظة بالأشجار والخضار والينابيع وكل ذلك كان مؤنساً لنا ونقضي ساعات جميلة مع عشرات الأشخاص ممن جاء من كل حدب ومناطق أخرى من منطقتنا الواسعة، وكان لأهالي القرية الحضن الدافئ والواسع بالاستقبال والترحيب وكرم الضيافة

وعن مبدأ عملها وكيفية إنجازها تابع الحاج "نجم الدين" حديثه بالقول: «يعرف ويشهد للقرية بتميزها واحتضانها لآلاف الأحجار السود القاسية، وكانت مساعدة لبنائها من خلالها، وعملية البناء احتاجت إلى الفراشة الحديدية التي تحوّل حب القمح إلى طحين ومن خلالها يسكب الطحين في منتصف المطحنة المكان المخصص له، حيث يكون نظيفاً وبعيداً عن الشوائب والزوائد.

الأشجار تطوق المطحنة

كانت المياه تجر إليها من النهر المجاور لها، وتواجد في العمل عدد كبير من العمّال فهي تحتاج لأعمال كثيرة ومن مجموعة كبيرة من الأهالي قسم للحفر وجر المياه وفيه وآخرون لجلب الأحجار ومجموعة أخرى لتجهيز الإسمنت وعدد آخر في رص وتجهيز أدوات الطحن والمطحنة، فلولا التعاون لما وجدت هذه المطحنة وغيرها، فهي تحتاج لأيام عديدة لينجز عملها، وخاصة مسألة الحفر فهي تحتاج لعمق ومسافة بعيدة ليسكب المياه على الفراشة الحديدية بقوّة، وعندما ينظر إليها يشاهد المرء الدقة في العمل من خلال التصميم والبناء والتقنية وكأن مهندسين فنيين قاموا بالعمل، ولكن الأيادي هي محلية بحتة، قادتهم الحاجة لصنع ما يحتاجونه».

ومما يختتم به حديثه السيّد "الكردي" الحديث التالي: «عشرات القرى استفادت من هذه المطحنة، وأكثر من ذلك كان هناك عدد كبير من النواحي والمناطق البعيدة تأتي إلى المطحنة أيضاً، فقد شاهدت أسر وبشكل يومي تأتي من مدينة "القامشلي" للطحن، ومن شاهد عملها وواقعها تابع كثافة الزوّار عليها، فكانت أسر تنتظر أيام كاملة حتّى يصلها الدور، ومنهم من انتظر أكثر من أسبوع، وتلك الحركة كانت لها إيجابية كبيرة أنها شكلت نقطة تلاقي والتقاء وبنت لوحة اجتماعية عمرها عشرات السنين ولا تزال، أمّا توقفها عن العمل فكان مع نهاية عام 1983».

جانب من المطحنة

الحاج "سعيد محمد علي" من ناحية "معبدة" التي تبعد عن المطحنة مسافة 9كم، تحدث عن ذكرياته مع المطحنة بالقول: «كثيرة هي المرّات التي انتظرنا أمام تلك المطحنة ليصل دورنا، والشيء المميز فيها أنها تقع في منطقة مكتظة بالأشجار والخضار والينابيع وكل ذلك كان مؤنساً لنا ونقضي ساعات جميلة مع عشرات الأشخاص ممن جاء من كل حدب ومناطق أخرى من منطقتنا الواسعة، وكان لأهالي القرية الحضن الدافئ والواسع بالاستقبال والترحيب وكرم الضيافة».