على أطراف مدينة "عامودا" وفي وسط حي كان يسمى سابقاً حي المسيحيين؛ يقف تل "شرمولا" شامخاً صامداً، يطل على مدفنة من مدافن المدينة كالحارس الأمين لها، ولكن رغم كل هذا ما يزال تاريخ هذا التل مجهولاً بالنسبة لكثير من أهالي "عامودا".

قصدنا تل "شرمولا" بتاريخ 15/4/2012م لنتعرف عليه من خلال ما قاله أبناء "عامودا"، السيد "محمد جمال" يقول: «قديماً خلال فترة الثلاثينيات كان الشارع العام في "عامودا" يقسم المدينة إلى شطرين؛ فالحي المتوضّع جنوبي ذلك الطريق كان معروفاً بحي المسيحيين لأن قاطنيه كانوا ممن يعتنقون الديانة المسيحية، أما الجزء الشمالي منه فأكثر الموجودين كانوا مسلمين (أكراداً وعرباً)، وباعتبار أن تل "شرمولا" يقع في الجهة الجنوبية من الطريق العام أي ضمن مساكن المسيحيين؛ فقد جعله هؤلاء مكاناً لدفن موتاهم منذ ذلك الحين وحتى وقتٍ قريب؛ لهذا عُرف التل بأنه مُخصّصٌ لأضرحة المسيحيين».

وبحسب ما سمعناه من مُعمّري "عامودا" فإن أغلب البيوت الموجودة في المدينة قد شُيّدت من نفس التراب المكون للتل والذي كان الأهالي يقومون إما بجلبهِ بأنفسهم أو بشرائه من رجلٍ يدعى "عبدو العربنجي" الذي كان يجلب لهم ذلك التراب من التل بواسطة عربته مقابل أجرٍ معين

أما السيد "عبد الله حميد" من أبناء الحي أيضاً فيقول: «بعد أن هاجر الإخوة المسيحيون من المدينة إلى "القامشلي" ومنها إلى دولٍ أوروبية؛ بقي التل على حاله، والضريح الأكثر شهرةً لدى أبناء "عامودا" هو لرجلٍ يسمى "إيلو" هذا القبر كان موجوداً في أعلى التل وقد شُيّد من الخارج بحجر الرخام وكُتب على شاهدته اسم المتوفى وتاريخ ميلاده ووفاته وفي أعلاه صورةٌ للصليب، لكن بسبب انتهاك حرمة التل من قبل بعض الأهالي المتمثل باستجرار كميات كبيرة من الأتربة للاستفادة منها في أعمال البناء؛ انهار القبر كلياً وهوى نحو الأرض بشكلٍ تدريجي ليبقى على مسافةٍ متساوية ما بين قمة وأسفل التل ولا يزال على حاله حتى اليوم».

قبر "إيلو" بعد سقوطه من فوق التل

وعن مساحة هذا التل يقول "عثمان علي": «كان تل "شرمولا" يتربع على مساحةٍ واسعة جداً ربما تتعدى /4000/م2، فمعظم البيوت المشيدة حوله كانت بالأساس جزءاً من التل ومن يقف في قمته سيلاحظ ذلك بشكلٍ جلي؛ لأن نوعية التربة في بنية التل هي ذاتها في المساحات المجاورة التي بنى عليها الأهالي مساكنهم، ونتيجة توسع الأحياء باتجاه التل المذكور لم يبق الآن منه سوى مساحة تُقدر بـ /200/م2 وارتفاعٍ يصل إلى /10/ أمتار».

يضيف: «وبحسب ما سمعناه من مُعمّري "عامودا" فإن أغلب البيوت الموجودة في المدينة قد شُيّدت من نفس التراب المكون للتل والذي كان الأهالي يقومون إما بجلبهِ بأنفسهم أو بشرائه من رجلٍ يدعى "عبدو العربنجي" الذي كان يجلب لهم ذلك التراب من التل بواسطة عربته مقابل أجرٍ معين».

الحي المجاور لتل "شرمولا" الذي بُنيت معظم مساكنه من تراب التل

لأننا لم نصل إلى نتيجة كافية عن تاريخ هذا التل توجّهنا إلى شعبة الآثار بمدينة "القامشلي" علّنا نحصل على ما لم نجده عند البقية؛ وهنا يقول الدكتور "سليمان إلياس" رئيس شعبة الآثار بـ"القامشلي": «إن تاريخ تل "شرمولا" موغلٌ في القدم ولا معلومات لدينا عن الحقب التاريخية التي مرّ بها هذا التل؛ ونحن كشعبة آثار نُصنّفه ضمن التلال الأثرية؛ أما عمليات التنقيب الحقيقية فلم تجر بعد، ولهذا السبب لا نملك أية معلومات دقيقة حول تاريخه وأسباب تكوينه وحتى تسميته، وكل ما سنقوم به في الفترة القادمة هو محاولة تسويره من كافة الجهات لنضع حداً للتعديات التي تحصل من قبل البعض؛ وبالتأكيد هذا الأمر كان اقتراحاً من الأهالي في "عامودا"».

في جولتنا التي قمنا بها إلى "شرمولا" حاولنا قدر المستطاع الوقوف عند تاريخ تكوين هذا التل وأسباب تسميته؛ لكن دون جدوى؛ فالمعلومات التي اقتفينا أثرها عند الأهالي كانت ضئيلة جداً ولم نصل إلى نتيجةٍ كافية؛ إلا أن جميعها التقت في نقطةٍ واحدة وهي أن تل "شرمولا" كان المكان الوحيد لدفن وفيات المسيحيين القاطنين في المنطقة خلال فترةٍ بعيدة، أما التاريخ الذي يسبق تلك الفترة فمهمة كشف نقابها هي مسؤولية المهتمين بآثار المحافظة؛ حينها فقط سيكون لكل سؤال جوابٌ شاف.

"شرمولا" لا يزال صامداً أمام عواقب الدهر