كثيرة هي الذكريات التي تحفظها الذاكرة حول نبعة "نظام الدين" في مدينة "القامشلي"، التي لم تبق منها إلا الصور والأحاديث، وعلاقات اجتماعية مستمرة منذ عشرات السنين.

مدوّنة وطن "eSyria" وبتاريخ 19 أيلول 2014، زارت المكان الذي كان يحتضن نبعة "نظام الدين"، والتقت عدداً ممن عاصروها وعاشوا معها، وكانت البداية مع السيّد "حمد العبد"، ويقول: «منذ أربعين عاماً كانت زيارتي الأولى لموقع النبعة، واستمرت زياراتي لها وبشكل يومي، فقد كانت شيئاً باهراً بالنسبة لنا لأنّ منطقتنا كانت تفتقد للينابيع، ففي سبعينيّات القرن الماضي كنت تلميذاً في المدرسة، وعند الانصراف أنا وأغلب التلاميذ كنّا نقضي استراحتنا هناك من خلال جولة ممتعة بجانبها ونرتوي من مياهها العذبة، ونلعب ونمرح على جنباتها الجميلة ثم نغادر الموقع متجهين نحو منازلنا، وفي أيّام العطل كانت النبعة محطة مهمة لاجتماع الكثير من الأسر حولها وعلى أطرافها، فكانت تقضي جلّ ساعاتها هناك منذ الصباح وحتّى غروب الشمس، مع ممارسة المرح والغناء والرقص وتناول وجبات الطعام الثلاث هناك، فقد كانت النبعة من أهم النقاط الاجتماعيّة، فأنا مثلاً شكّلتُ العديد من العلاقات الاجتماعيّة من خلال زياراتي اليومية لها، واستمرت تلك العلاقات حتّى يومنا هذا».

كانت موجودة مع ولادة المدينة تقريباً، وكانت دائرية الشكل وبمساحة متر واحد، وتُغطّى بقالب مصنوع من الإسمنت، ومياهها كانت تنحدر نحو الروافد التي كانت تجاورها، وبذلك كانت النبعة مخصصة لسقاية الأراضي الزراعية أيضاً، وحافظت على طقوسها وفوائدها الكثيرة حتّى نهاية الثمانينيات، لكنها انتهت واختفت بعد ذلك بشكل نهائي

أمّا السيّد "مصطفى الأحمد" فتحدّث عن بعض زياراته لتلك النبعة، ويقول: «في الثمانينيات كنّا مجموعة من شباب الدراسة، وكانت تجمعنا صداقة قوية، ولذلك كان لنا يوم في الأسبوع كنزهة إلى النبعة نجلس عندها نتحاور في مواضيع المدرسة والدراسة وكيفية التفوّق والنجاح، وكثيرة هي القضايا التعليمية التي تمّت مناقشتها عند تلك النقطة السياحية الترفيهيّة، وجولاتنا كانت في أوقات لا نجد عند النبعة كثافة الزائرين حتّى نأخذ راحتنا في التحاور، وكثيرة هي المرّات التي كنتُ أتّجه إلى تلك النبعة عند الصباح الباكر من أجل مراجعة وحفظ منهاج مدرستي، وتلك الفترة تحديداً كانت مخصصة لطلاب العلم، فالأشجار والخضار والهدوء كلها كانت عناوين راحة البال للطلبة من أجل الدراسة المثالية».

مكان النبعة قبيل الاختفاء

وكان للسيّدة "لمعة حسين الجاسم" صاحبة الثمانين عاماً حديث عن بعض ذكرياتها الجميلة عند نبعة "نظام الدين"، وتقول: «أحفظ تلك الزيارات كحفظي لاسمي، رغم السنوات العديدة التي مرّت على تلك الزيارات، وكنتُ أقطع مسافة 3كم وأكثر حتّى أصل إلى النبعة، برفقة عدد من نساء الحي، والزيارة كانت مخصصة لجني بعض النباتات التي يمكن تناولها كوجبات طعام، فكانت في المنطقة تظهر نبتة "القنيبر"، "الخبّاز" وغيرها، وهي نباتات مفيدة ومهمّة للتناول وتباع في الأسواق، ولكن كنّا نجنيها بالمجان، لأنّ المنطقة كانت خضراء ورطبة بشكل دائم، أمّا بالنسبة للزيارات الترفيهية فكانت أسبوعية ويوم الجمعة تحديداً، وذلك برفقة الأطفال والجيران والأهل والأصدقاء حتّى من كان يرافقنا خصيصاً وهو قادم من خارج مدينة "القامشلي"».

أما الباحث التاريخي "جوزيف أنطي" فتحدّث من وجهة نظر تاريخية عن تلك النبعة، ويقول: «كانت موجودة مع ولادة المدينة تقريباً، وكانت دائرية الشكل وبمساحة متر واحد، وتُغطّى بقالب مصنوع من الإسمنت، ومياهها كانت تنحدر نحو الروافد التي كانت تجاورها، وبذلك كانت النبعة مخصصة لسقاية الأراضي الزراعية أيضاً، وحافظت على طقوسها وفوائدها الكثيرة حتّى نهاية الثمانينيات، لكنها انتهت واختفت بعد ذلك بشكل نهائي».

من مزايا النبعة كثرة الأشجار في المنطقة