اجتمعت حولها واستفادت من خيراتها عدة قرى، وتحولت إلى أجمل اللوحات الاجتماعية، وسخّر كادرها المتخصص من قرية "عين ديوار" جهدهم المتواصل لطحن القمح، وتوفير العناء على الأسر الكثيرة المستفيدة منها.

مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 16 نيسان 2019، وخلال زيارتها إلى قرية "عين ديوار" الواقعة في منطقة "المالكية" في أقصى الشمال من محافظة "الحسكة" التي تبعد عنها 180كم، رصدت من خلال كبار السن، ذكرياتهم البعيدة عن مطحنة قرية "كاسان" المائيّة، وبيّن بعض تفاصيلها وقصصها الحاج "محمود قدري علي" بالقول: «المنطقة بوجه عام، والقرية بوجه خاص، فيها الكثير من الأحجار السوداء، وهي إحدى أهم مزايا تجهيز المطاحن المائية، إضافة إلى تميّز منطقتنا بمحاصيل ممتازة من القمح؛ وهو ما يعني أنها بحاجة إلى الطحن، ولم يكن هناك بديل سوى بتلك المطاحن، لذلك مع تأسيس القرية تقريباً، أنشأت المطحنة، بعد أن أخذت وقتاً كبيراً وجهداً متواصلاً من العمل، فهي تحتاج إلى مراحل كثيرة من العمل، والأهم حفر الخنادق بمسافة بعيدة لتكون مجرى المياه، كي تأتي المياه بسرعة، باتجاه الفراشات الحديدية، وتسهم في دورانها بطحن القمح».

منطقتنا تشتهر بزراعة السمسم، لذلك في فصل الخريف، كانت المطحنة تتحول إلى تجهيز الطحينية، فقدمت تلك المطاحن عملاً رائداً خلال سنوات عطائها، لكنها توقفت قبل سنوات لأسباب عدّة، منها: ظهور المطاحن الآلية، جفاف معظم المياه الجارية ونقص المياه بوجه عام، علماً أن الخبز الذي كان ينتج من تلك المطاحن الآلية يتميز بلذة كبيرة، وهو ما أكّده الكثيرون من أبناء المنطقة، وهذه الميزة تتناقل حتى اليوم على لسانهم

ويتابع: «كانت هناك خشبة مهمتها تدوير الفراشة، وفي الأسفل كان هناك مكان مخصص لاستقبال كميات الطحين، وكل العملية تحتاج إلى ضغط قوي من المياه باتجاه الفراشة، وعامل أو عاملين لا أكثر. أمّا المميز في أيام تلك المطاحن، فهو تعاون الجميع مع صاحب المطحنة، وزوّارها فيما بينهم، وتنسيق الدور، ومساعدة أهالي القرية لمن قدم من القرى والمناطق البعيدة، واستقبالهم في منازلهم وتقديم الضيافة، حيث غابت تلك الأجواء، لكن تفاصيلها باقية في ذاكرتنا».

طحن السمسم

الباحث التاريخي "عمر إسماعيل" وابن قرية "عين ديوار"، تحدّث عن تفاصيل أخرى تخص المطحنة بالقول: «كانت من أهم المهن في المنطقة، توجد في المناطق التي تكثر فيها المياه بالدرجة الأولى، واتجاهها باتجاه المطحنة، بعد أن يُعدّ لها مجرى ومسقط مياه بشكل رأسي ليدير فراشة الطاحونة وخشبتها، هذه المنشأة التراثية وقبل عشرات السنين، شهدت أجواء مثالية، خاصة من الناحية الاجتماعيّة. كان ثمن طحن كيس القمح زهيداً جداً، ومع ذلك كان بعضهم يأتي لطحن حباته، ولا يملك مالاً، فكان صاحبها يأخذ كميّة من الطحين عوضاً عن ذلك.

كان الأهالي يشكلون حولها حلقة اجتماعية على مدار الساعة، يتناولون قضايا المنطقة ويمرحون، حتى إنهم كانوا يقضون وقتاً باللعب، كلعبة "الدامة" مثلاً، وكثيرون منهم كانوا يتركون القمح بجانب المطحنة، ويذهبون إلى منزل أحد سكان القرية، ليستريحوا أو يتناولوا الطعام والشراب، وكان شباب القرية ونساؤها وكبارها يتعاونون مع الزوّار لمساعدتهم في جميع الأمور».

مجرى المياه للمطحنة

الباحث "عمر" تحدّث عن مهام أخرى للمطحنة، حيث قال: «منطقتنا تشتهر بزراعة السمسم، لذلك في فصل الخريف، كانت المطحنة تتحول إلى تجهيز الطحينية، فقدمت تلك المطاحن عملاً رائداً خلال سنوات عطائها، لكنها توقفت قبل سنوات لأسباب عدّة، منها: ظهور المطاحن الآلية، جفاف معظم المياه الجارية ونقص المياه بوجه عام، علماً أن الخبز الذي كان ينتج من تلك المطاحن الآلية يتميز بلذة كبيرة، وهو ما أكّده الكثيرون من أبناء المنطقة، وهذه الميزة تتناقل حتى اليوم على لسانهم».

أجواء عين ديوار مهيأة لتلك المطاحن