استمر ميزان الذهب القديم طويلاً في العمل ضمن محال الصاغة لمدينة "القامشلي"، متصفاً بالدقة والحساسية، وغاب نهائياً مع وجود البديل الإلكتروني، وبقي اليوم ضمن ذكريات المعارض فقط.

مدوّنة وطن "eSyria" وبتاريخ 7 نيسان 2015، بحثت في محال الصاغة ضمن مدينة "القامشلي" عن ميزان قياس الذهب التراثي، فلم تجده، حيث حلّ محله الميزان الإلكتروني، فكانت فرصة ليعيد كبار السن معنا ذكريات وقصص ذلك الميزان، ومنهم "جودت صالح العلي" ويقول: «تحفظ ذاكرتي وبدقة متناهية أنّ أول محل لبيع الذهب في "القامشلي" كان لصاحبه "كركو موريس" وذلك عام 1927، وبعد مدة قصيرة افتتح "فرج خبّاز" محلاً آخر، وأصبح الرجل الأخير منذ ذلك الوقت وحتى اليوم يعرف بـ"فرج الصايغ" نسبة إلى عمله، وبحكم أن والدي كان يتعامل معهما كثيراً، فكانت لي زيارات معه إلى هذين المحلين، ويومياً كنتُ أرى الميزان القديم وأتمعن في دقته وحساسيته، وحتى فترة الخمسينيات لم يتجاوز عدد محال الصاغة في المدينة أكثر من أربعة محال، وفي كل محل ميزان الذهب القديم.

في المعرض الحجري الذي أملكه أكثر من 100 قطعة أثريّة، ورثتها من والدي، ومن بين تلك القطع ميزان الذهب، والكثيرون من سكان المدينة وزوارها؛ يزورون المكان يومياً من أجل مشاهدة ما نعرضه من ماضٍ جميل، ونحاول بذلك أن نحتفظ بتراث الماضي وعبقه، ونقدم هذه الأدوات ضمن معارض تراثية دورية

كنت أعي بوضوح ماذا يعني المثل القائل: (ميزان الذهب لا يوزن به الحجارة)؛ الذي يتم تداوله كثيراً في المجالس والاجتماعات، والقصد منه الإشارة إلى العدل والمساواة، فذلك الميزان يسعّر الغرام الواحد من الذهب بآلاف الليرات السورية، وبالتالي لا يصلح للحجارة».

مكان وضع الذهب في الصحن

أمّا "عبّود حنّا" أحد بائعي الصاغة منذ الخمسينيات فيتحدث عن بعض ذكريات ميزانه القديم، ويقول: «كان عبارة عن صحن صغير بشكل بيضوي، يربطه سيخ من الحديد بشكل عمودي، وعليه حلقات من الحديد، إضافة إلى مؤشر يشبه عقارب الساعة، الذي يمّكن من معرفة الوزن من خلال الإشارة إلى الغرامات، التي تبدأ من غرام واحد حتّى واحد كيلو غرام، ويتحرك رأس المؤشر باتجاه السهم كلما ازداد الوزن، وهي مقايس خاصة بوزن الذهب أو الفضة وحتّى الليرة.

أمّا صناعة وتجهيز ذلك الميزان فكان يتم في مدينة "حلب"، حيث جُلب عدد قليل من تلك الموازين إلى "القامشلي"، واستمر الاعتماد عليه لمدة طويلة من الزمن، ثم غاب واختفى عن محال الصاغة قبل خمس وعشرين سنة، وهي الفترة التي ظهر فيها الميزان الإلكتروني، الذي حل محل الميزان التراثي بوجه نهائي، والآن ربما في سوق "القامشلي" كله لا يوجد ميزان قديم، وإن وجد سيكون في محل واحد يعرضه للاستئناس وإعادة الذكريات».

السيد جودت العلي

وكان لـ"أندراوس شابو" حديث عن تعلقه بأدوات الماضي البعيد، ومنها ميزان الذهب القديم، ويقول: «في المعرض الحجري الذي أملكه أكثر من 100 قطعة أثريّة، ورثتها من والدي، ومن بين تلك القطع ميزان الذهب، والكثيرون من سكان المدينة وزوارها؛ يزورون المكان يومياً من أجل مشاهدة ما نعرضه من ماضٍ جميل، ونحاول بذلك أن نحتفظ بتراث الماضي وعبقه، ونقدم هذه الأدوات ضمن معارض تراثية دورية».