لا يختلف الثلج في كل بقاع الأرض فهو ينزل في الشتاء شديد البرودة ويكون لونه ناصع البياض، إلا أن "الحسكة" شهدت عاماً تساقط فيه الثلج الأحمر على المحافظة، فأصبحت هذه الثلوج تاريخاً.

مدونة وطن "eSyria" التقت الباحث "محمد السمُّوري" بتاريخ 24 آذار 2014 ليتحدث عن هذه الحادثة الفريدة التي شهدتها محافظة "الحسكة"، والتي لم تتكرر منذ ما ينوف عن مئة عام، فقال: «شهدت محافظة "الحسكة" في ربيع عام 1910 تساقطاً كثيفاً للثلوج حسب ما تناقله سكان المنطقة في ذلك الوقت، ومع أن الثلوج لا تتساقط على هذه المناطق إلا بشكلٍ نادر فلم يكن هذا ما أبهر الناس، بل إن اللون الذي تساقط به الثلج هو الذي كان مدعاةً للغرابة، فقط سقط ثلجٌ غزير لونه أحمر زادت سماكته عن 50سم ودام لمدة 40 يوماً حسب بعض الروايات، وقد عانى السكان من تبعات هذه الثلوج التي حدت من قدرتهم على العمل وحتى الخروج من المنازل».

شهدت محافظة "الحسكة" في ربيع عام 1910 تساقطاً كثيفاً للثلوج حسب ما تناقله سكان المنطقة في ذلك الوقت، ومع أن الثلوج لا تتساقط على هذه المناطق إلا بشكلٍ نادر فلم يكن هذا ما أبهر الناس، بل إن اللون الذي تساقط به الثلج هو الذي كان مدعاةً للغرابة، فقط سقط ثلجٌ غزير لونه أحمر زادت سماكته عن 50سم ودام لمدة 40 يوماً حسب بعض الروايات، وقد عانى السكان من تبعات هذه الثلوج التي حدت من قدرتهم على العمل وحتى الخروج من المنازل

يتابع "السمُّوري": «ورد أكثر من حديث عن هذه الثلوج وقد أخذت أكثر من تسمية ومنها سنة "ذرّاية"، حيث تم استيحاء هذا الاسم من "ذرا" الشيء أي نثره ويقال: "ذرا التبن" وأبقى على الحب، ولأن تساقط الثلج ترافق مع هبوب الرياح شبهوا الثلج بالتبن المتناثر عن البيدر، كما عرفت السنة بسنة "الدمَّام" أي إن الثلج غطى الأرض تماماً، وفي تعبير أهل الجزيرة يقال: "دمَّ" الشيء أي طمره حتى اختفى، ومنها يقال: "دمَّ" الميت أي دفنه. ويحكى أن عاصفة هبت فجرفت الثلوج من المرتفعات إلى المناطق المنخفضة لهذا سمّي بثلج "الدمَّام"».

الحاج خضر السلطان

ويوضح الباحث "السمُّوري": «أن تساقط الثلج ترافق مع رياحٍ محملة بالرمال وقد طغى لونها على الثلج، فأعطته لوناً أحمر وجاءت إثرها تسمية هذه السنة بعام "الثلجة الحمرة"، وقد تم تأكيد وقت هذه الظاهرة بعام 1910 من خلال تزامنها مع زيارة عالمي الآثار "هرتز فيلد"، و"سارة" إلى المنطقة للقيام بعملية مسح للتلال الأثرية المنتشرة على الجانب الغربي من "نهر الخابور"، وأيضاً لما تم حفظه من قصيدة نظمتها إحدى الشيخات الحمصيات التي كتبت باللهجة المحكية، حيث قالت الشيخة "صديقة بنت الشيخ سعد الدين شمسي باشا": "قد وقع من السنين سنة التاسع والعشرين.. أيامه أربعين قد قل فيها الطحين.

أول يوم في ربيع شهر النبي الشفيع.. أتانا فصل الربيع.

ولاحت البشاير، أتانا الهوا والطلَّ.. وفي برهة قليلة قل.

لم يطل منه الجل إلا ولّى مسافراً". ومعنى هذا أن الثلوج تساقطت في 19 أو 20 من شهر محرم من تلك السنة، وهما يوافقان 20 أو 21 من كانون الثاني لعام 1911، وهذا قول آخر يغاير ما تم توثيقه في الجزيرة».

ويختم "السمُّري" الحديث عن هذه السنة، فيقول: «كانت لهذه السنة تبعات اجتماعية ومعيشية كبيرة، لذا تعددت عنها الأقاويل والحكايات تناولت في مجملها صعوبة الحياة في تللك الأيام، وتأثيرها السلبي خصوصاً على وضع الطعام بسبب الواقع اليومي الذي تعيشه المنطقة فهي ليست ذات طبيعة تخزينية، كما أنها لم تعتد يوماً مثل هذه الاختبارات الطبيعية القاسية، مشيراً إلى أن المؤرخين ذكروا عمومية هذه الثلوج؛ حيث تحدث الناس عنها في منطقة "معان" بالأردن وعرفت باسم "الثلجة الكبيرة في "حلب" حملت في "حمص" اسم الثلجة الكبيرة واسم سنة "النهيب" لكثرة وقوع السرقات في ذلك الوقت».

من جهته قال الحاج "خضر السلطان": «أنا من مواليد 1933 من قرى ريف "الحسكة" الشمالي، لم أعِ هذا الحدث، إلا أن الذاكرة لم تنسه في يوم من الأيام، لكن ما سمعته من والدي أن الثلوج دامت لمدة 40 يوماً، وقد كان أهالي منطقة "عامودا" أصحاب قطعان من الأغنام وكانوا يطلبون المراعي بعيداً عن مساكنهم، وحين بدأ الثلج الهطول تركوا الأغنام وهربوا عائدين إلى البلدة، وبعد أن تكشفت الغيوم رجعوا ليتفقدوا قطعان الأغنام، فوجدوا أغلبها قد مات، وقد نجى من هذه الثلوج أعدادٌ قليلة من الأغنام، وقيل في تلك الفترة إن من بقي حياً من تلك الحيوانات كان يتغذى على صوف الأغنام الميتة».

بدوره قال الدكتور "إسماعيل محمد" مدرس في كلية الزراعة: «تتشكل الثلوج الحمراء بإحدى الحالتين، ففي المناطق القطبية والمرتفعات الجبلية تتواجد كائنات حية تدعى الطحالب، وقد أثبتت الدراسات العلمية وجود 350 نوعاً منها إذ تعدّ من الكائنات الدقيقة، وهذه الطحالب تقوم بإكساب الثلوج لوناً أحمر، أما الحالة الثانية لتلون الثلوج فهي امتزاج لبلورات الثلوج الهشة مع ذرات التراب المحمولة في الهواء، ما يكسب الثلج لوناً أحمر وهي الأقرب إلى واقعنا، بسبب اتساع المناطق الصحراوية التي تحيط بمنطقتنا الجغرافية».