حالة من التغريب الثقافي والفكري والاجتماعي، بدأت تظهر تجلياتها واضحة بين جيل الشباب، سببها مواقع التواصل الاجتماعي الملاصقة لهم في الشوارع والمنازل وأماكن العمل والدراسة، وفي كل الأوقات.

مدونة وطن "eSyria" رصدت هذه الظاهرة التي تنتشر في المقام الأول بين طلاب الجامعات، والتقت بتاريخ 22 تشرين الأول 2014 عدداً من الشباب، وكانت البداية مع الشاب "سائد الخالد" (رئيس فرع الإعلان)، وعن هذه الظاهرة يقول: «إن المواقع الاجتماعية التي أقبل الناس عليها خصوصاً معشر الشباب، تعد سلاحاً ذا حدين، وأتوقع أنها تساهم كثيراً في عملية التغريب الثقافي للشباب، لكن مع هذا وذاك يقوم الشباب الذين يلجون هذه المواقع، بعكس الحال الذي آل إليه الشباب من حيث يدرون أو لا، إذ يمكن للقارئ المثقف من خلال متابعة بعض المواقع أن يرى حالة العزلة التي وصل إليها الشباب، وهذا ما تُنبئ به بعض الكتابات التي يتناقلها بعض الشباب دون أن يعوا أنها مرآة حالهم».

إن المواقع الاجتماعية التي أقبل الناس عليها خصوصاً معشر الشباب، تعد سلاحاً ذا حدين، وأتوقع أنها تساهم كثيراً في عملية التغريب الثقافي للشباب، لكن مع هذا وذاك يقوم الشباب الذين يلجون هذه المواقع، بعكس الحال الذي آل إليه الشباب من حيث يدرون أو لا، إذ يمكن للقارئ المثقف من خلال متابعة بعض المواقع أن يرى حالة العزلة التي وصل إليها الشباب، وهذا ما تُنبئ به بعض الكتابات التي يتناقلها بعض الشباب دون أن يعوا أنها مرآة حالهم

ويضيف: «من الجدير ذكره أن رواد مواقع التواصل الاجتماعي هم من الفئة العمرية التي تقع بين 15 و19 عاماً، وهذه المرحلة هي الأخطر بين المراحل العمرية بحسب المتخصصين، فقد يتم تأطير وأدلجة الشباب بحسب ما تريده الأطراف الأخرى، إذ يصنف أصحاب هذه الفئة العمرية من "الرأي العام المنقاد"، وهنا تكمن المشكلة الكبرى التي قد لا تستوقف أحداً، ولا يمكن أن تظهر النتائج في المجتمع إلا مؤخراً، وهنا يكون الأوان قد فات، وهذا الأمر يقرع ناقوس الخطر، لأن مثل هذه المواقع غزت المجتمعات في العالم الثالث، بهدف تأمين موطن قدم لثقافة غريبة عن المجتمع، تحمل في ظاهرها الحضارة والانفتاح، بينما تسعى إلى تدمير الجيل وتنشئته على عكس ما يتقبله المجتمع، لذا يجب العمل على توعية الشباب من خلال قراءة ما يكتبون وما ينشرون، لأنهم قد يبوحون بأشياء تكون محظورةً في الواقع العادي».

طلاب يقضون وقتاً طويلاً على مواقع التواصل الاجتماعي

بدوره أكد الصحفي "هفال عيسى": «أن مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت كثيراً في إضعاف حالة التفاعل الاجتماعي بين جيل الشباب وإبعاده عن العالم الواقعي وحجزه ضمن العالم الافتراضي، وهذا العالم يوفر للشاب كل ما يبحث عنه، لذا يصبح الشاب غير محتاج للخروج من المنزل، وحتى أثناء الجلسات المسائية التي تجمع الأهل أو الأصدقاء، يلاحظ أن معظم الحاضرين يستمرون في مواصلة نشاطهم الافتراضي عبر الهواتف الجوالة، وكثيراً ما يبقى هذا الجيل بعيداً عن مواضيع النقاش على الرغم من وجودهم الجسدي بين الجالسين».

يضيف: «أدى هذا الأمر إلى قلة الاهتمام المتبادل بين الأصدقاء، وعدم الدخول في حوارات أو نقاشات جدية، وعدم الاكتراث بأي نتائج يتمخض عنها الحوار الدائر في أماكن تواجدهم، كما أنها ساهمت في عزوف الشباب عن ممارسة الأنشطة الرياضية وتقليل المشاركة بالفعاليات الاجتماعية، وهو ما أدى إلى انتشار ثقافة الخمول وظهور علامات البدانة والترهل على معظم الشباب؛ الذين يقضون أوقاتاً طويلة أمام أجهزة الكمبيوتر، وهذا بحد ذاته يعد مرضاً اجتماعياً يجب التصدي له، والعمل على نشر ثقافة التوازن السلوكي لدى جيل الشباب».

التخاطب عبر الشبكة

أما رئيس "جامعة الفرات" الأسبق الدكتور "جاك مارديني"، فكان له الرأي التالي: «التقنيات الحديثة وخاصة ما يهم شبكات التواصل، لعبت دوراً مهماً في حياة الإنسان بوجه عام وفئة الشباب بوجه خاص، حيث أصبح الجزء الأكبر من وقت الشباب، يقضى من خلال التواصل عبر هذه الشبكات، وهو ما ترك آثاراً سلبية عديدة، منها ابتعاد الشباب عن الدراسة، التي من شأنها أن تضع حجر الأساس لبناء شخصيتهم العلمية والأدبية والثقافية وحتى الاجتماعية، كما ساهمت في ابتعادهم عن المنتديات الثقافية والموسيقية والرياضية، والأهم من كل هذا حلقات النقاش من خلال العلاقات الاجتماعية بأنواعها المختلفة، واكتفائه بالمعلومات المقتضبة من خلال الكم الهائل الذي يطرح على هذه الشبكات، إضافةً إلى اقتصار صداقاتهم على من يشترك معهم عبر هذه الشبكة».

يتابع: «هذه المعلومات والصداقات الافتراضية تساهم ببناء شخصية متكاملة للشباب، وتساعد بصنع مستقبل متميز ونوعي، لأن طابع المعلومات التي يحصل عليها سطحي بالمجمل، كما أنه اختار مجتمعه بناءً على تصوراته التي قد تكون خاطئة أو حتى غريزية، وهذا يخالف ما يفرضه الواقع الواقعي الذي يعيشه الناس، لكن يستطيع الشباب أن يغيروا المعادلة، من خلال تكريس هذه الشبكات، لإكمال وإضافة ما ينقصهم من معلومات، ومن ثم يساهم في إغناء البنية التحتية لشخصيته، في المجالات التي يرغب بها، وهذا الأمر يساهم ويساعد في بناء شخصية متكاملة إذا صح التعبير، تستطيع رسم مستقبلها في المجال الذي ترغب به».