بدأت ظاهرة العزوف عن الزواج في الوقت الحالي تنتشر بكثرة عند المؤهّلين لدخول الحياة الزوجيّة، وبات الزواج عند تلك الفئة عنواناً غير محبب به تماشياً مع ظروف وأسباب الواقع الحالية.

مدوّنة وطن "eSyria" رصدت هذه الحالة والظاهرة، واستمتعت مطوّلاً عند فئة الشباب الذين بالمجمل أكّدوا أنهم لم يعودوا يفكروا بالدخول في متاهات وغمار الزواج، طالما تكلفة الزواج بحاجة لملايين الليرات السورية، إضافة إلى ذلك فالجميع اتفقوا على أنه محفوف بالمصاعب والمتاعب، أهمها غياب لرؤية الواضحة للمستقبل عندهم، وهذا الكلام بيّنه لنا الشاب "توفيق مصعب السالم"، وذلك بتاريخ 13 كانون الثاني 2015، موضحاً أسباب عزوفه عن الزواج: «لا نبالغ إذا قلنا إن تكلفة الزواج اليوم تقارب المليون ليرة سورية، فإضافة لارتفاع أسعار المواد اللازمة لتجهيز غرفة واحدة من أجل الزفاف، فإن الأهالي أيضاً يقومون برفع المهر، والسبب الآخر الحالة النفسية غير المستقرة لمعظم الشباب، وعدم الاستقرار على قرار ثابت لتحديد مصير المستقبل، فأنا اليوم عمري يتجاوز السابعة والثلاثين ولا أفكر في الزواج مطلقاً، وأنا على يقين أن القرار خاطئ؛ لكن مؤهلات الزواج وخاصة من ناحية الأجواء المحيطة لا تساعدني، بخلاف السنوات الماضية، حتّى قبل مدة قصيرة لم يكن الزواج يكلف أكثر من 300 ألف ليرة سورية، وكانت هناك فرص عمل كثيرة، حتّى الذي لا يملك شهادة جامعية كان بمقدوره ممارسة أي عمل أو مهنة، وفي الوقت الحالي فرص العمل شبه معدومة، وضمن هذه الأجواء القاسية التي فرضت علينا، هناك من يطالب بأمور أخرى أكثر تعجيزية كتأمين منزل مستقر وضرورة أن يكون الشاب موظفاً، وإذا كان من الريف فعليه الاستقرار في المدينة، ولذلك كل ما طرحناه أسباب مشروعة للغوص في مصاعب "العزوبيّة" أفضل من تذوق متاعب الزواج».

الظروف التي مرّت بها البلد أدّت إلى ارتفاع حالات القلق والاضطراب لدى الشباب، نتيجة لعدم وضوح أفق المستقبل، والظروف تؤثر في نفسية الطرفين أو الجنسين، وهناك إحصائية تدخل ضمن أسباب العزوف وهي أنّ التناسب العددي بين الجنسين اتسع، فسابقاً وأشارت الدراسات إلى ذلك بأن النسب تدل على أن ثلاث إناث يقابلهم اثنان من الذكور، اليوم تصل النسبة لثلاث إناث مقابل ذكر واحد، وبالمحصلة هناك آثار للعزوف عن الزواج وهو حكماً عزوف لا إرادي وله آثار على المستوى الشخصي والمجتمعي، فعلى الصعيد الشخصي فإنه يبقي الشخص بحالة عدم استقرار عاطفي يؤثر في شخصيته واتزانها، وعلى انسجامه الاجتماعي، وعلى الصعيد المجتمعي فهو ينذر بتضييق قاعدة الهرم السكانيّة، وبما أن مجتمعنا فتيّ فقاعدته السكانية واسعة، ونستطيع المقارنة ببعض المجتمعات التي كانت تحرص على تضييق قاعدتها السكانية في الماضي البعيد، واليوم هي تجد نفسها أمام انعدام للفئة الشابة نتيجة لقلة الإنجاب واتسعت عندهم فئة المسنين، وبذلك تكون النتيجة سلبية

أمّا السيد "محمّد حليم إسماعيل" المختص الاجتماعي والمحاضر في جامعة الفرات، فتحدّث عن الموضوع من وجهة نظر تربوية علمية بقوله: «الزواج هو إيجاد رابط شرعي بين الرجل والمرأة، لتلبية الحاجات سواء العاطفيّة أو الاجتماعيّة، وبالنتيجة بناء أسرة هي تلبية تلك الحاجات، فالجميع على يقين وإيمان بأن للأسرة أهمية كبيرة في بناء شخصية أفرادها ونمّوها على جميع المستويات، إذاً الزواج حاجة أساسيّة منذ القدم وقد تنوّعت أشكاله بتنوّع الثقافات، ولكن ما يتم طرحه من تساؤل وهو مشروع، فهناك عزوف من الشباب عن الزواج حالياً بخلاف العقود الماضية، فكان هناك تسابق بين الأسر لتزويج شبابهم والإسراع في إنجاب الأولاد، فحينها كانت الأسباب والمؤهلات حاضرة لذلك، ولكن في الوقت الحالي فالظروف اختلفت كمّاً ونوعاً منها: ارتفاع نسبة المتعلمين بين أبناء الريف والمدينة، وهو ما أدّى إلى تأخر سن الزواج ومن ثم قلّة الإنجاب، والسبب الآخر فهو متعلق بالتعليم العالي لدى الأبناء؛ الذي ساهم بارتفاع مستوى الوعي الاجتماعي لديهم، وكان سبباً لتأخر زواجهم، فالتفكير انصبّ حول تأمين المسكن المستقل وفرص عمل رائعة والبحث عن مستقبل من سينجبونه من أطفال، ومن أسباب العزوف عن الزواج أيضاً الأوضاع الاقتصادية وارتفاع النزعة الاستهلاكيّة نتيجة الانفتاح الثقافي على الثقافات الأخرى، وهناك نسبة كبيرة من الشباب تفكر حالياً وجدياً بالهجرة سواء الداخلية أو الخارجية؛ ولذلك ترى موضوع زواجهم اليوم على طاولة التأجيل».

السيد محمد حليم إسماعيل

وللظروف الحالية أيضاً مبرراتها وأسبابها، قال عنها المختص الاجتماعي: «الظروف التي مرّت بها البلد أدّت إلى ارتفاع حالات القلق والاضطراب لدى الشباب، نتيجة لعدم وضوح أفق المستقبل، والظروف تؤثر في نفسية الطرفين أو الجنسين، وهناك إحصائية تدخل ضمن أسباب العزوف وهي أنّ التناسب العددي بين الجنسين اتسع، فسابقاً وأشارت الدراسات إلى ذلك بأن النسب تدل على أن ثلاث إناث يقابلهم اثنان من الذكور، اليوم تصل النسبة لثلاث إناث مقابل ذكر واحد، وبالمحصلة هناك آثار للعزوف عن الزواج وهو حكماً عزوف لا إرادي وله آثار على المستوى الشخصي والمجتمعي، فعلى الصعيد الشخصي فإنه يبقي الشخص بحالة عدم استقرار عاطفي يؤثر في شخصيته واتزانها، وعلى انسجامه الاجتماعي، وعلى الصعيد المجتمعي فهو ينذر بتضييق قاعدة الهرم السكانيّة، وبما أن مجتمعنا فتيّ فقاعدته السكانية واسعة، ونستطيع المقارنة ببعض المجتمعات التي كانت تحرص على تضييق قاعدتها السكانية في الماضي البعيد، واليوم هي تجد نفسها أمام انعدام للفئة الشابة نتيجة لقلة الإنجاب واتسعت عندهم فئة المسنين، وبذلك تكون النتيجة سلبية».

الدكتور "إسماعيل العمري" عميد كلية التربية في جامعة "الفرات" أبدى الرأي العلمي أيضاً للحالة، يقول: «الأسرة وتكوينها هو الموضوع الرئيس لعلم الاجتماع، ودراسة الأسرة مرت بتطورات متعددة تعكس ظروف العصر وطابع الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وعندما أدرك الباحثون أن الأسرة أخذت تواجه عدداً من المشكلات نتيجة انتشار التصنيع وما صاحبه من بؤس وفقر وهجرة، فحولوا اهتمامهم إلى دراسة العوامل التي تؤدي إلى تصدع الأسرة أو العزوف عن الزواج وما يترتب على ذلك من مشكلات اجتماعية؛ نظراً لتغير عمليات التنشئة الاجتماعية، وكل هذا يهدد بناء المجتمع ويفقده تماسكه، وهذه الظاهرة أخذت تنتشر في السنوات الأخيرة في مجتمعاتنا العربية، وهي نتيجة لواقعها، وتعد البطالة في مقدمة تلك الأسباب، فالشباب لا يجدون فرص عمل حتى بعد تخرجهم في الجامعات والمعاهد، إضافة إلى العادات والتقاليد التي تمثل عقبة أمام الزواج ومنها غلاء المهر، والنفقات ومتطلبات الحياة، ومن الأسباب رغبة الفتاة بمتابعة تحصيلها العلمي وعزوفها عن الزواج وتجد فيه مانعاً لمتابعة العلم، وتربية أبنائنا في مراحل عمرهم الأولى سبب من الأسباب فلم نعودهم تحمل المسؤولية في تلك السنوات، فوصلوا لمرحلة الشباب عاجزين على تحمل المسؤولية، ولذلك باتوا فاقدين للثقة، وهناك تقصير في عدم تحفيز الشباب على المشاركة في مختلف جوانب الحياة، ويأتي دور وسائل الإعلام وما يقوم فيها من برامج قد تؤثر في اتجاهات بعض الشباب وتحرمهم من الزواج أو التفكير به، لأنهم يتصورون أن الزواج مقيّد للحرية الشخصية، وهذا يتطلب مزيداً من التوعية والتوجيه في مختلف المؤسسات الثقافية والتربوية والأسرة بوجه خاص».