لزفاف العروسين عند أهل الجزيرة أغانٍ تراثية تاريخية لا تزال محفوظة في ذاكرة بعض النسوة، وتغنى في حضور العروسين تقديراً للماضي وذكرياته الجميلة.

مدوّنة وطن "eSyria" وبتاريخ 1 تشرين الثاني 2014، وخلال حضورها لإحدى حفلات الأعراس في مدينة "القامشلي" استمعت إلى جانب وقسم من أغاني الماضي التراثيّة، ووقفت عند عدد ممن يتقنون حفظها وحتّى طريقة إلقائها، وكانت البداية مع السيّدة "سميرة علي حامد" وهي من كبيرات السن، ولذلك ذاكرتها ذاخرة بتلك الأغاني، فحدثتنا عنها بالقول: «يمكن حصر عدد النسوة في منطقتنا ممن يحفظن أغاني الماضي التي كانت تغنى للعروسين يوم الزفاف، خاصة أن تلك الأوقات لم يكن فيها أجهزة غنائيّة وفنانون وعزف وصالات للحفلات، وفي الماضي كانت النسوة تجتمع في مكان تواجد العروسين، وكانت إحداهن تقوم بمهمة الغناء والبقيّة من النسوة كنّ يرددن خلفها نفس الأغنيّة، لا جرم الأغاني التي كانت تنثر على الحضور والمخصصة لزفاف العروسين كانت بطريقة غنائيّة مع سيمفونية موسيقية ومن الحنجرة فقط، وكان يترافق التصفيق والزغاريد مع تلك الأغاني، وقسم من الفتيات يشكلن حلقة من الدبكة، والجميع وخاصة النسوة وتحديداً الفتيات القريبات من العروسين كنّ يرتدين أجمل وأزهى الملابس وكلها كانت ملابس فلكلوريّة».

بما أن أشكال وألوان الأعراس كلها تغيّرت ومع ذلك هناك من الفنانين من يغني من تلك الأغاني، وأحياناً يكون هناك إلحاح من كبار السن في حفلة عرس ويطلب من الفنان تقديم فقرة خاصة من أغاني الماضي

وتضيف عن بعض الأغاني التي كانت تلقى في ذاك الزمن البعيد: «من الأغاني الكردية وبما معناها في العربية، ويذكر اسم العريس عدة مرات، وهنا سنذكر اسم "أحمد" كمثال على ذلك فقط، ومما كان يقال هذه المقطوفات: "هل المرة صحيح.. هل المرة صحيح يا أحمد.. طفلي المدلل هل المرة صحيح.. والتي طلبتها للزفاف خطبناها لك.. ولا تقول ما أريدها.. ولا تقول أرفضها.. فعينا عروستك في قمّة السواد.. فأنت يا أحمد حبيب وعزيز قلبي.. أم أحمد الغالية فاليوم عرس ابنك أحمد.. أم أحمد تدللي واجلسي على الكرسي فعرس الغوالي اليوم.. لا تقول لا يوجد مهر يا والد أحمد... وصرّة المصاري أكسرها أمام والد العروس"».

من ذكريات الماضي في الزفاف

وهناك أغنية عربيّة تراثيّة وعمرها عشرات السنين كانت تغنى في الماضي البعيد نثرت على مسامعنا السيّدة "نورة المحمّد" مقطوعة منها: «"حلفنا ما نغرّب ولا نأخذ غريبة لأحمد.. وبعد عيني يا أحمد يا ماسك مهر خطيبته.. يا أخي أنا سيارة لا أريد.. والخنجر على خصرك يحوم ويميل.. نحن نأتيكم يا أخي ونطلب منكم التقدم أمامنا لخطب الخطيبة.. مربوعة لا تصلح لولدي وطويلة لا تناسبه نريدها كالفضة والذهب.. هلهلولة ومائة هلهلولة للعريس أحمد أحلى زغرودة.. يا أخي لا نتعبكم ولا نريد لكم الإرهاق ولكننا نريدكم في صدر المجلس وأنتم تطلبون عروسة أحمد العريس في أغلى أيامه في الحياة"».

وكان للشابة "سميرة محمد علي" أغنية تراثية تحفظها من جدتها، وتصمم حتّى اليوم على إلقائها في زفاف أي قريب، وتقول: «هناك من يحرص على ألّا تموت تلك الأغاني ولذلك من الواجب أن ننثرها بدورنا في كل مناسبة عرس، ومما أحافظ عليها من أغنية للماضي البعيد: "جلبي يا جلبي من هو العريس.. جلبي يا جلبي أخي هو العريس.. جاء الفنان ومعه الطبل والكمنجانة وكل ذلك من أجلك يا أخي العريس.. اليوم هو يوم الجمعة ولذلك جهز فراش الزفاف يا أخي.. الطير المسلوق يا عريسنا وضع في أصحن للتناول وفي دار العريس.. وحلقات الدبكة دائرة حول العريس.. هذا اليوم هو أجمل يوم وهو اليوم الصحيح فهو عرس الغالي.. عيون عروستك هي من أجمل العيون يا حبيبي يا عريسي"».

وأكّدت "سميرة" في ختام حديثها: «بما أن أشكال وألوان الأعراس كلها تغيّرت ومع ذلك هناك من الفنانين من يغني من تلك الأغاني، وأحياناً يكون هناك إلحاح من كبار السن في حفلة عرس ويطلب من الفنان تقديم فقرة خاصة من أغاني الماضي».

كما قدم لنا الباحث في التراث الكردي "صالح حيدو" بعض المعلومات التاريخية عن أغاني العروسين قائلاً: «تلك الأغاني قديمة جداً وعمرها عشرات السنين، وكانت عبارة عن قصة اجتماعيّة أو حدث معين كان يحصل في منطقة ما، والسابقون كانوا يجعلون من أي حدث لوحة غنائيّة فنيّة بطريقتهم وبأسلوبهم، فهناك الكثير من القصص الفلكلورية باتت أغاني تراثيّة وتغنى اليوم في الحفلات، وغناء ذلك النوع في الأعراس منذ عشرين سنة وأكثر بقليل كان من خلال النسوة فقط، وكان هناك تبادل من قبل أهالي العريس والعروس، وكان تبادلاً وتنافساً مقبولاً وجميلاً، فالجميع كانوا يحرصون أن تكون فقرتهم بطريقة حلوة وتصفيق أعلى، فالجمهور كان يتابع، ولكن من دون مشاحنات أو إرهاصات، بل الأغنية الواحدة كانت تنقسم بين الطرفين، وتلك الأغاني لم تعد تلقى بقوة في الحفلات ولها إطلالات ضعيفة وفي حفلات الأعراس تقريباً، فجمهور تلك الأغاني جلهم من كبار السن فقط».