يسافر من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال لمسافة تقارب /1000/كم دون أن يسير على أرجله أو يستعمل جناحيه، بل مُحملاً في شاحنات تقله من مكانه لتحط به في سهول الجزيرة الخيرة، حيث يلقى ما يحتاجه من مراع واسعة مترامية الأطراف، يقضي فيها جزءاً من فصل الربيع وكامل فصل الصيف، ثم يقطع راجعا إلى دياره بعد أن تكاثر وملأ البطون من خيرات الجزيرة، واكتنز بالعسل، في عملية يستفيد منها الوافد والمضيف.

موقع eHasakeh التقى عددا من المزارعين ومربي النحل فكانت البداية مع المزارع "برزان علي المهاجري" من سكان منطقة "رأس العين" يقوم برعاية بعض خلايا النحل الوافد إضافة إلى النحل الذي يملكه فحدثنا قائلاً: «أقوم بالاتفاق مع بعض مربي النحل الدرعاويين على استقدام النحل من تلك المناطق بعد أن يكون الربيع قد شارف على الانتهاء هناك، حيث تبدأ عندنا زراعة المحاصيل الصيفية والتي يأتي في مقدمتها "القطن" و"الخضراوات" و"السمسم" و"البطيخ الأبيض" الذي يزرع بمساحات كبيرة للحصول على بِزاره، إضافة إلى محاصيل أخرى يستفيد منها النحل بشكل كبير، حيث تبقى المراعي متوافرة للنحل طوال فصل الصيف وحتى بداية فصل الخريف ليعود النحل أدراجه إلى دياره».

تكاد العملية تخلو من أية تكاليف إضافية مقارنة بالفائدة التي نحصل عليها، ما عدا تكاليف النقل والترحيل، والسفر كل حوالي فترة شهر للكشف الدوري على النحل والاتصال بالشخص الذي يقوم برعاية النحل هناك

مربو النحل السيد "إسماعيل محمد" حدثنا عن حيثيات العملية بالقول: «يبدأ التحضير لعملية النقل بعد الاتفاق مع أصحاب النحل، حيث أقوم بتأمين المكان المناسب وتجهيزه قبل وصول الخلايا التي ينبغي أن تكون قد أُُحكِم إغلاقها قبل ذلك، ويجب أن يتوافر في المكان الذي سينزل فيه النحل: وجود الماء والقرب من أماكن زراعة المحاصيل الصيفية، وأن يكون بعيداً بعض الشيء عن التجمعات السكنية، وكثيراً ما نقوم بزراعة نبات "دوار الشمس" حول الخلايا لتحط عليها "الطرود" أثناء عملية "التطريد" وهي "انفصال الخلية الفتية عن الأم" وأيضاً ًتشكل سِتاراً ومرعى للنحل».

مربي نحل من سكان منطقة "رأس العين" اثناء عملية الكشف الدوري على النحل

أما عن الفائدة التي يجنيها لقاء عملية الرعاية فيقول: «يتم الاتفاق على ثمن أتعاب عملية الرعاية والتي أما أن تكون نسبةً معينة من ناتج العسل وعدد الخلايا التي زادت خلال هذه الفترة، أو يكون نقداً يُحدد كمبلغ محدد عن كل خلية خلال الأشهر التي تستمر فيها الرعاية، وقد تتضمن عملية الرعاية تأمين مستلزمات النحل والاتصال بالخبراء والمربين الآخرين للوقوف على التطورات التي قد تطرأ على تربية النحل كالأمراض التي تنتشر، أو رشّ الأدوية الزراعية التي يقوم به المزارعون مما يؤثر على النحل».

السيد "صالح المنعم" مربي نحل من سكان ريف درعا حدثنا عن تجربته في عملية الترحيل الفصلية للنحل الى الجزيرة قائلا: «منذ عدة أعوام أقوم بترحيل خلايا النحل التي املكها في ريف محافظة درعا ويبلغ عددها حوالي 100خلية إلى محافظة "الحسكة" منطقة "رأس العين"، وذلك في الفترة المتراوحة بين بداية شهر أيار وأواخر شهر حزيران، وهي الفترة التي تنتهي مرحلة الإزهار لأغلب النباتات في منطقتنا حيث يبدأ هناك موسم زراعة المحاصيل الصيفية، وقد كانت المرة الأولى التي قمنا فيها بذلك، بمثابة تجربة تأكدنا خلالها من فائدة هذه العملية، ومنذ ذلك الوقت في كل عام دأبنا على نقل "خلايا النحل" التي نملكها إلى هناك في الفترة ذاتها من كل عام».

مزارع ومربي نحل من سكان ناحية تل تمر

وعما يجنيه من هذه العملية يضيف السيد "صالح": «لقد كانت تجربتنا ناجحةً جداً فخلال بضعة الأشهر التي تركنا فيها النحل هناك لاحظنا تطور نشاطه، ومن خلال كشفنا الدوري على الخلايا وجدنا أن وزنها يزداد بشكل ملحوظ الأمر الذي يعني زيادة في إنتاج العسل حيث وصل إلى أكثر من /4/كغ في الشهر الواحد إضافة إلى التكاثر و"التطريد" والذي ينتج عنه مضاعفة عدد الخلايا، وكل هذا نتيجة توافر المراعي ذات المساحات الواسعة».

وعن تكاليف هذه العملية يضيف "المنعم" قائلاً: «تكاد العملية تخلو من أية تكاليف إضافية مقارنة بالفائدة التي نحصل عليها، ما عدا تكاليف النقل والترحيل، والسفر كل حوالي فترة شهر للكشف الدوري على النحل والاتصال بالشخص الذي يقوم برعاية النحل هناك».

وعن مواصفة الشخص الذي يقوم برعاية النحل يقول: «ينبغي في الشخص الذي يوضع النحل عنده أن يكون أمينا أولا، وأن تكون لديه دراية وخبرة في تربية النحل، فرعاية النحل تحتاج إلى عناية خاصة سواء المراقبة المستمرة للكشف المبكر عن الأمراض والآفات التي قد تصيب النحل، أو توفير ما يحتاجه النحل».

ولمعرفة المزيد عن فوائد عملية "نقل النحل" وما تعود به على كلٍ من "النحالين" و"المزارعين"، تحدثنا إلى المهندس الزراعي "لازكين أحمد" فأفادنا بما يلي: «بالنسبة للمزارعين وأصحاب المحاصيل الزراعية فإن وجود النحل يُعد سبباً مهماً لنجاح إنتاج هذه المحاصيل، وقد كان المزارعون سابقاً يقومون باستئجار خلايا النحل خلال فترة الإزهار، حيث يساعد النحل في عملية تلقيح الأزهار ما يسهم في زيادة الإثمار، كما تزداد خبرة من يتولى رعاية النحل الوافد من مربي النحل "الجزراويين" ويحصل على دخل إضافي، أما بالنسبة لأصحاب النحل الوافد فإن عملية نقله إلى أماكن وفيرة المراعي تساعد على إطالة فترة نشاط النحل بالتالي مضاعفة إنتاجه من العسل وتحفز وفرة المراعي لمدة طويلة على زيادة التكاثر التي ينتج عنها زيادة عدد الخلايا بالتالي مضاعفة الأرباح لاصحاب النحل».