بين سواد الحبر وظلمة لوحاته تتفجر ومضات نورانية تبحث عن متنفس لتتشبث بالحياة، فعلى الرغم من عتمة الصورة إلا أنها تحتوي على كل معاني البياض، بخطوطه السوداء الدقيقة يكتب حياة الشخوص التي حفرها الزمن على الملامح، فيصنع ضحكة تنبثق من بين بيادر الحزن معلنةً بداية النهاية ونهاية البداية...

الفنان "سعود خالد شيخو" ابن محافظة "الحسكة" 1979 م" فنان واقعي يصارع سواد الحبر لينير لوحاته بفسحة ضئيلة من البياض، التقاه موقع eHasakeh وكان هذا الحوار:

هو إنسان جدير بالاحترام من ناحية حبه لعمله واحترامه لفنه، ثابر كثيراً ليكون بين صفوف الفنانين على الرغم من أن فترة الفن التي عاشها ليست طويلة، والفنان "سعود" يمهر لوحاته بخاتم روحاني ليسهل تمييزها عن لوحات الآخرين، وهو أيضاً يرسم البورتريه بطريقة رائعة تدنو كثيراً من التفرد، خطوطه جميلة من ناحية الكتابة في الخط العربي ومن ناحية أخرى يرتقي خطه في الرسم إلى الرائع، هذه الأمور مجتمعةً يضاف إليها العديد من الأمور التي لسنا بصدد حصرها تبشر بمستقبل لا يستهان به لهذا الفنان الشاب، وفي النهاية يمكننا القول إن الزمن كفيل بوضع "شيخو" في مكانه الصحيح

  • في لوحاتك حزن عميق، لماذا يطغى اللون الأسود على معظمها؟
  • الراحل نجيب محفوظ

    ** هذا الانطباع يخالج صدور كل من يتأمل لوحاتي ولكن لماذا لا ننظر من منظور مختلف، فمن وجهة نظري أنك أنت من يجسد الحزن والفرح وليس اللون، فلو استخدمت كل الألوان الزاهية في صورة باكية هل سيعطيك اللون الإحساس بالفرح، ولو أنك أمطرت شخصاً يبتسم بوابل أسود فمن المحال أن تحجب الوميض الذي يعلو أسنانه، إذن هي ثقافة ترتبط بالزمان والمكان فكما يعبر الأبيض عن الفرح في ثقافتنا فهو يرمز إلى الحزن في ثقافةٍ أخرى، أما الفرح فهو موجود ولكنه نسبي تضيق مساحته أو تتسع حسب ما تمليه الظروف.

  • هل كانت البداية بهذا المفهوم أم إنها أخذت تتبلور بالتدريج؟
  • بيتهوفن كان له نصيب من الفن في الحسكة

    ** لم أبدأ حياتي رساماً بل كانت البداية بالخط العربي كنت وقتها في الصف الثاني الابتدائي، لم أكن وقتها أعرف ما هو الفن ومن هم أهله، فأخذت أنمي الخط ذاتياً وأنهل مما كتب العرب في هذا الفن الساحر، وأتقنت كل أنواع الخطوط، فالفن بشقيه الخط والرسم هو هبة من الله ولا يمكن اكتسابه بل كل ما يلزمه هو صقل هذه الموهبة، أما بداية الرسم فكانت بالمصادفة عندما دخلت أحد المتاجر الذي يعرض اللوحات عام 2001 م، كان في داخلي شيء يرفض هذه اللوحات لإحساسي بوجود نقص فيها، فعدت إلى المنزل ورسمت لوحة من مدرسة الاستشراق، كانت اللوحة عبارة عن سوق للسجاد تحاكي واقع أسواقنا، عرضتها على صاحب المتجر فابتاعها مني بثمن قدره 600 ليرة سورية، كان هذا أول أجرٍ أتقاضاه عن فني إذا صح التعبير، وأعدت الكرة ورسمت لوحةً أخرى وأخذتها للشخص عينه ولكنها لم تعجبه، وفي الحقيقة لم أغضب وقتها لأنني لم أرسم اللوحة من منطلقٍ فني بل كان المنطلق هو الكسب المادي، ولهذا فقدت اللوحة كل الأحاسيس التي كانت جليةً في سابقتها، هنا أدركت وجوب الفصل بين الفن والعملة فهما نقيضان لا يمكن أن يجتمعا.

  • ما الذي حملك على هذا النوع من الفن على الرغم من صعوبة التعامل معه؟
  • سعود يستبيح خصوصية والده

    ** أنا أنتمي إلى المدرسة الواقعية أحاول أن أجسد الواقع بكل ما يحيط بالإنسان من حلوه ومره، ولكن من المخيف أن يتوقف الفنان عن التعلم من الآخرين، أنا لا أضيّع أي فرصة من المحتمل أن أتعلم كيفية الإمساك بالقلم، من هذا المبدأ فأنا أحب أن أطلِعَ على أي شخص يرسم لأستقي مما عنده وهذا لا يندرج تحت قائمة العيب أو الحرام، وهذا ما حصل عندما شاهدت لوحةً لصديقي تم رسمها بالنقاط فأحببت أن أجرب بنفسي، والنتيجة أنني أحببت هذا النوع من الفن فهو يختلف عن غيره، إذ يتطلّب الرسم بالنقاط صبراً لا يعرف الحدود وجرأةً أشبه بالتهور، إضافة إلى هذا وذاك فهو يعطيك جانباً من التفرد.

  • تعج المحافظة بالمعارض فلماذا لم نلحظ لك حضوراً؟
  • ** يحز في نفسي البعد عن المعارض ولكن ليس باليد حيلة، كل فنان يعيش هاجس الانتشار وتعايش الناس مع لوحاته، حتى إن الكثير ينتظر المعرض ليقف على انطباع النقاد عن فنه هل وصلت الرسالة المرجوة أم لم تصل؟ وبالتأكيد أنا أملك نفس المشاعر إلا لغة التخاطب في يومنا هذا أصبحت رهينة الواقع المادي، فالمعرض كما له حضوره له أيضاً مستلزماته المادية وهذا ما أعجز عنه، بل يمكن القول إنني أنقطع عن الرسم لفترات قد تتجاوز العام لعدم تمكني من تأمين أدوات العمل فكيف بالمعرض، أنا لا أنكر على من يبيع لوحاته ليقتات منها فكبار الفنانين تباع لوحاتهم إما في حياتهم أو بعد رحيلهم، ولكنني لا أستطيع أن أرسم بالحبر لأبيع فلوحة الحبر عندي لها قدسية خاصة في قلبي، ولكن من الممكن أن أبيع اللوحات الزيتية إذا رسمتها.

  • ماذا قدمت لك "الحسكة" في مجال الفن؟
  • ** قدمت لي الفن وقدمت لي اللوحة والحزن الذي طل من لوحاتي والفرح الذي أسرقه من بين السواد، هي صابرة فأخذت منها الصبر وهي حنون أغلف بحنانها لوحاتي، هي قاسية استمد منها صلابة قلمي وأمتص حرارتها الصيفية الحارقة لأُنضج بها حبري السائل، تضيق عليّ الخناق لأهرب إلى فضاءات لوحاتي، وتهديني التجاعيد التي يرسمها الجفاف على جباه العاملين لأكمل معاناتي، ببساطة هي أعطتني فني كله وأخذت مني كل فني، أعيش حبيس رحمها منتظراً مولدي، وتأبى أن تلدني كيلا أبتعد عنها فهي قادرة على أن تمنحني الحياة ولكنها تعجز أن تمنحني الشهرة.

  • إلى أين تبحر في المستقبل وأنت تركب سفينة الخيال؟
  • ** أتجه مبحراً إلى العالمية التي سبقني إليها الكثيرون لكي أنشر ما يجيش في صدر قلمي على لوحات تحملها نفحات من النسيم العليل، فالعالمية منصب أو مسمّى يصبو إليه كثيرون ولكن هي مزاجية القدر فإما أن يختارك فتكون وإما أن يتجاوزك إلى غيرك فلا تكون، ولكن يجب على الإنسان أن يسعى.

    الأستاذ "فرهاد خليل" فنان تشكيلي يقول في "شيخو": «هو إنسان جدير بالاحترام من ناحية حبه لعمله واحترامه لفنه، ثابر كثيراً ليكون بين صفوف الفنانين على الرغم من أن فترة الفن التي عاشها ليست طويلة، والفنان "سعود" يمهر لوحاته بخاتم روحاني ليسهل تمييزها عن لوحات الآخرين، وهو أيضاً يرسم البورتريه بطريقة رائعة تدنو كثيراً من التفرد، خطوطه جميلة من ناحية الكتابة في الخط العربي ومن ناحية أخرى يرتقي خطه في الرسم إلى الرائع، هذه الأمور مجتمعةً يضاف إليها العديد من الأمور التي لسنا بصدد حصرها تبشر بمستقبل لا يستهان به لهذا الفنان الشاب، وفي النهاية يمكننا القول إن الزمن كفيل بوضع "شيخو" في مكانه الصحيح».