كما تغيرت كل الأمور لم ينجُ الواقع من المتغيرات، فقد ولج الإنسان كل التفاصيل ليضع بصمته عليها، إلا عنده فهو يذود عن واقعه بريشةٍ تصرخ ألماً، ماذا فعلتم بالحقيقة؟؟؟

«أنا لا أريد أن يقف المشاهد أمام لوحاتي ليشاهد صورة، بل أنتظر منه أن يغوص في الداخل متمعِّناً بالتفاصيل الدقيقة، لأجعله يراجع نفسه متسائلاً، هل أنا أمام اللوحة أم بداخلها؟».

في الرحلة الأولى لم يكن لدي أي اتجاه أو شخصية مستقلة بالفن، وبعد معرضي الأول اتجهت إلى الواقعية، فكانت لوحاتي تعرف دون أن تذيل بتوقيعي

الفنان "حسن صبيح" 1972م يروي لموقع eHasakeh عن البدايات: «في الصغر يتشابه الأطفال فالكل يرسم وكنت منهم، ولم يلاحظني أحد حتى وصلت إلى الصف السابع، وقتها اكتشفني أستاذ الرسم من خلال مسابقة بين الطلاب، وقد كرمني آنذاك وأهداني مقلمة ألوان، بقيت عندي إلى أن التحقت بمعهد إعداد المعلمين، وأستطيع القول إنها كانت أكبر حافز في حياتي،على الرغم من أنني حصدت العديد من الجوائز، لكن المقلمة لم يوازِها شيء».

ابنه يتربع في قلبه ولوحته

يقول "حسن" عن انطلاقته الأولى: «في عام 1995م أحضرت الألوان والريش، وبدأت بشد اللوحات القماشية، وفي هذا الوقت كنت أتفرغ للرسم بشكلٍ جزئي، كانت بداياتي مع الأعمال الكلاسيكية وكان إحساسي وقتها أن الكمال في المدرسة الكلاسيكية، وأول لوحة رسمتها بالألوان كانت لامرأة عجوز، دفعني لرسمها كثرة التجاعيد والظلال ودفعني أيضاً التحدي، لأنني وقتها كنت أرسم بالرصاص والفحم».

وعن الاتجاهات التي سلكها في بداية مشواره الفني يقول: «في الرحلة الأولى لم يكن لدي أي اتجاه أو شخصية مستقلة بالفن، وبعد معرضي الأول اتجهت إلى الواقعية، فكانت لوحاتي تعرف دون أن تذيل بتوقيعي».

الفنان حسن صبيح وخلفه ابنته

  • بعد أن غزا الفن التعبيري كل المحافل لماذا تصر على الواقعية؟
  • «اتجهت إلى الرسم الواقعي لأنه من أصعب أنواع الفنون، حيث ينقل هذا النوع من الرسم الواقعية الصرفة كما هي، وبرأيي لا يصبح الفنان فناناً الا إذا أنتج لوحة تنطق الواقع، ولهذا أرى أن اتجاه الفنانين إلى مدارس متعددة بعيدة عن الواقعية هو الهروب بعينه، فعين المشاهد ليست بعيدة عن الواقع ولذلك لا يمكن أن تخدع بسهولة، ومن هنا تراني أجهد نفسي لأجعل المشاهد في حيرة، هل هو أمام اللوحة أم إنه قفز ليعيش ضمن الإطار، ويختار مكانه في عالم من الحقائق التي لطالما شاهدها مشوهة؟».

    معركة تاريخية تستعر في اللوحة

    وعن المواضيع التي يرسمها يقول "صبيح": «تتربع بيئتي في لوحاتي لأن الفنان يجب أن يكون ابن بيئته، فالرسم حالة من المعايشة بين الفنان والموضوع تتجلى في نقل أدق التفاصيل إلى القارئ».

    يضيف "حسن": «أنا فنان أسخر اللون والموضوع لخدمة الصورة لأن الواقع غالباً ما يعطيك صورةً مشوهةً، فتراني أرسم في الصباح عندما يكون ذهني صافياً، لأن الواقع اليومي لا يلبث أن يعكر صفاء الذهن، فأنا أستمتع بالنظر إلى لوحاتي لغاية هذا اليوم».

    ويتحدث "حسن" عن معارضه: «تعددت معارضي وجابت عدداً من المحافظات وكانت مرتبة كالآتي:

    1- المعرض الفردي الأول في "الحسكة" عام 2002م.

    2- معرض مشترك لفن الخزف في الحضارات في قصر العظم "بدمشق" 2003م.

    3- معرض مشترك في "طرطوس" 2006م.

    4- معرض مشترك في ثقافي "الحسكة" 2007م.

    5- معرض "دمشق" الدولي 2007م.

    6- معرض مشترك في خان أسعد باشا 2007م.

    7- معرض مشترك في صالة دار البعث 2009م.

    8- معرض مشترك في صالة الفن الجديد 2009م.

    وقد قمت بتدريب مجموعة من الطلاب لمصلحة منظمة اليونسيف بالتعاون مع وكالة الغوث الدولية الأونروا».

  • هل تلوح لك ملامح مستقبلية؟
  • «بصراحة أنا عاتب على الإعلام في بلدنا، فما الذي يميز الفنانين العالميين عنا؟ فنحن نقدم لوحاتٍ رائعة وهذا ليس كلامي ولكنه شهادات ذوي الخبرة في الفن، ولهذا السبب ترى الملامح المستقبلية أشبه بالطلاسم لدى الفنانين، ومن هنا وعبر موقعكم الكريم أقول وبكل جرأة أنا أسعى للعالمية، وأتمنى أن يلاقي صوتي ردة فعلٍ من الإعلام، فأنا لا أعرف المستحيل أو بالأحرى محوت هذه الكلمة من قاموس مفرداتي منذ ردحٍ بعيد، صحيح أن هناك ظروفاً تمنعني من الرسم، وصحيحٌ أيضاً أن اللوحة الواحدة قد تتطلب مني عمل أشهر متواصلة، ولكن الأصح أن عزيمتي لن تنثني وسأشق طريقي إلى العالمية مستعيناً بالصبر».

    ويختم حديثه قائلاً: «لربما يستطيع الفنان رسم أو حتى نقل أي صورة أو موضوع، وقد يستطيع أن يوصل معناها إلى المشاهد، ولكن هناك حالات لم يستطع أحد نقلها بنفس الحرارة إلى القارئ، وأذكر منها لوحةً تجسد حنان الأم على أطفالها، فلو استطعت أن أنقل هذه الصورة إلى القارئ دونما فتور فسأكون بذلك قد حققت حلمي».

    الفنان "فرهاد خليل" يقول عن حسن: «هو من الناس الذين عاشرتهم في صغري وكان له منزلةً خاصة في قلبي، فهو يقاسمني الحالة والإحساس باعتباري تطرقت كثيراً للواقعية في رسمي، ولكن يبقى "حسن" بالنسبة لي هو أقوى من رسم الواقع، وهذا الشيء لم أبُح به سابقاً، فريشته تشعرك بإحساس عال، وهذا الشيء يحسد عليه وأتمنى أن تبقى الواقعية أسيرة لوحاته على عكس الكثيرين الذين يتهمونه بعدم التطور، لأنه لم ينتقل بعد إلى الرسم التعبيري، وهذا برأيي هو خطأ فادح لأن "حسن" خلق ليرسم الواقع فريشته تصور الدنيا بحلةٍ ولا أبهى».

    أما "دلدار فلمز" الفنان التشكيلي فيقول: «"حسن" فنان يرسم الواقعية الصرفة التي أصبحت الشيء النادر في هذا الزمن، فهو يرسم لوحته بحس اللقطة الفوتوغرافية، ولا يترك شيئاً دون إخضاعه للواقعية العالية، كثيرون لا يفضلون عمله لأنهم لا يستطيعون مجاراته، وهو هكذا يترك بصمته على الزمن المملوء بأشباه الفنانين الذين يبحثون عن الشهرة والمكاسب الصغيرة، فنحن بأمسّ الحاجة إلى فنانين من هذا النوع في هذا الزمن عموماً وفي هذه المدينة خصوصاً، أحياناً كثيرة أتعجب من جلده على رسم الأشياء بهذه الدقة، فهو فنان لا يحتاج سوى تسليط الأضواء على فنه ودعمه من قبل مؤسسات رسمية، وعرض أعماله في العاصمة والدول المجاورة، فربما لو كان "صبيح" يقطن غير هذه المدينة لكان له شأن آخر أو اسم آخر على الصعيد الفني، أنا شخصياً ميالٌ جداً إلى ريشته وإلى نفسه الصبورة والهادئة، وأعشق فنه ولو اختلف معي الكثيرون في الرأي».