بين جدران من الطين، في غرفة عميقة تنزل إليها لتصعد إلى فكره المتقد، مزج التراب بألوان الحياة، فشع منها سواد قاتم، وقطع الحطب إلى أشلاء ليدفئ الماضي الموغل في القدم، كتب حياته في صور، ورسم معايشته في كلمات...

قال فيه الكاتب"خليل صويلح": «"لا مكان للبهجة في أعماله، كائنات مكبلة ومحاطة بالسواد خرجت للتو من أتون النار، موائد من الدم، وجوه فقدت ملامحها، حواجز تفصل بين عشاق بلا أذرع للعناق، أرض محروقة وجرداء بالكاد نسمع أنينها خلف الأقفاص، ومعجم للخراب في أقصى حالات الهتك البشري، أتى من صحراء الجزيرة ليكتب ذاته على مرمى حجر من الهلاك"».

أما المجموعة الثانية فكانت بعنوان "امرأة بمظلة وشاعر بقبعة" وهي تتغزل بأكملها بامرأة، ومهداة إلى المرأة التي أحيتني وأنا رميم

الفنان"دلدار فلمز" 1970م يقول: «منذ البداية كنت أهتم بالرسم والشعر والمسرح، عملت في المسرح طيلة سنوات دراستي، قمت وقتها بأدوار صغيرة، ولكني اكتشفت أن المسرح في إجازة مفتوحة، وسيغيب إلى أن يشاء الله له العودة، فاتجهت إلى فن فردي ككتابة الشعر والرسم، ونشرت قصائدي في صحف محلية وعربية، ولازلت أكتب الشعر بين الوقت والآخر، وأقمت على إثر ذلك في "دمشق" لمدة اثنتا عشرة عاماً، استفدت من هذه التجربة في عدة نواحي، ولكن بالمصارحة مع ذاتي فقد استنزفت عشرة أعوام من عمري على صعيد الفن، فقد كنت طيلة إقامتي في دمشق أعتمد مادياً على موارد الصحف والنقد الفني والأدبي».

يجسد وفاة والدته

*** أناشيد مالدورور في البداية...

«في عام 2000م عدت إلى "الحسكة" المدينة التي أحبها، وبدأت الرسم بشكل حرفي ومطلق، بسبب الوقت الكافي والذهن الصافي، رسمت كتاب كامل للشاعر الفرنسي"لوتريامون" بعنوان " أناشيد مالدورور"، ترجمت المحتوى إلى مئة لوحة بمقاسات كبيرة، كانت هذه تجربتي الأولى، عرضت اللوحات وقتها في "الحسكة" و "دمشق".

رفض الإفصاح عن مدلول هذه الصورة

*** أما التجربة الثانية فيصفها "فلمز" قائلاً: «ولدت هذه التجربة من معايشتي للبيئة، فالكل يصور البيئة بشكل سياحي، وهذا برأيي تشويه للجمال الذي تتمتع به محافظتنا، فقد قمت بتجسيد الإنسان وما يحيط به من الحيوانات والنباتات، واعتمدت في تجربتي على تقنية السطوح الخشنة، والتراب وأدخلت التبن "القش" بين لوحاتي، كما رسمت الإنسان بوضعيات مختلفة، تحيط به بعض الكائنات منها ماهو واقعي والآخر كان أسطوري أو مختلق».

ويضيف "دلدار": «توجد مساحات من العراء والصحراء التي تمثل المصدر الأصيل للأنسان، فأنا لم أجد نفسي إلا في "الحسكة"، فمن المهم بالنسبة لي أن أفتتح معارضي في بلدي، وعلى الرغم من عدم فهم الكثيرين للوحاتي، إلا أن شعوري بأن لوحاتي تمس أهل مدينتي بشكل أو بآخر، هذا وحده يدخل السرور إلى قلبي، فأنا أرتاح لقراءة الناس البسطاء للوحات بشكل فطري، وسعادتي لا توصف بإقتناء لوحاتي في "الحسكة"، فهذا الأمر يعزز إنتمائي لهؤلاء الناس».

جدرانه معرض

*** بين الإنسان والحيوان؟؟؟

في التجربة الثالثة يقول "فلمز": «جسدت لوحاتي أوجه التشابه بين الإنسان والحيوان، من حيث الغرائز كالجنس والإلغاء والقتل والتدمير، فالمعرض بالنسبة لي هو عبارة عن موضوع واحد ويحمل فكرة واحدة، إلا أني أطرحه من عدة زوايا».

*** الذاء ليس سيئاً

في التجربة الرابعة كان الحذاء حاضراً كما قال "دلدار":« يرمز الحذاء في الثقافة العربية إلى الدونية، فحاولت أن أقدم الحذاء من وجهة نظرٍ أخرى، لأن كل شيء في الوجود يحمل معنيين، سلبي وإيجابي وأنا بطبيعتي أحاول دائماًُ أن أتطرق للأمور الإيجابية، لأنه وحسب مفهومي لا يوجد شيء سيء بالمطلق، فأنا أحاول وصف الأشياء من منطلق إنساني، وتم عرض هذه التجربة في صالة "عشتار"، بدمشق تحت رعاية السيد"رياض نعسان آغا" وزير الثقافة».

*** العيش آخره الفناء وإنما...

الفناء والوجود تجربته الأخيرة يقول عنها "دلدار: «في هذه التجربة كنت أعايش لحظات كئيبة فارقت فيها والدتي، وكان هذا الأمر جلياً في اللوحات، فقد ترك فراق والدتي فراغاً كبيراً في حياتي، استخدمت التراب في لوحاتي بالإضافة إلى صبغة"المغر"، لأن الإنسان خلق من التراب ويعود إليه، وتم عرض اللوحات في صالة "نينار" في "دمشق"، واخترت هذه الصالة لأنها تتحول إلى مطعم في المساء، فأنا أحاول أن أذهب بفني إلى الناس».

*** الانتظار من أشد لحظات العبودية...

يضيف "دلدار فلمز": «أرسلت /52/ لوحة إلى إسبانيا، وفي هذه المرة غيرت سياستي، فكان المعرض تحت عنوان"ما فات من الحرب"، وفي هذا المعرض ولأول كان لكل لوحة عنوان، يحكي هذا المعرض عن ما ألحقته الحروب بالإنسانية، من قتل ودمار وتشريد، كما أعرج على أن الحروب لا تخدم البشرية ولكن تخدم أناساً مستفيدين، وأن الناس البسطاء هم دائماً وقود الحرب، وأخبرني زملائي في إسبانيا أن الأمور تسير بشكل حسن، وأنا الآن أنتظر النتائج النهائية».

***أعشى يحدق في سطور كتاب...

يقول "دلدار": «لذة القراءة عندي تفوق كل كل لذات الحياة مجتمعة، فكل كتاب أقرؤه يأخذني إلى عالم مختلف، أكتشف فيه الآخرين، ولا يمكن أن أرسم إذا لم أتشبع بالقراءة، فالقراءة وسعت لدي أفق الحوار، وأنا أواجه ذاتي بالقراءة، كما أن السينما توحي لي بأشياء كثيرة، إلا أنني لست من عشاق التلفاز، ولم أفكر باقتنائه يوماً».

*** عاش باكراً؟؟؟

مجموعة شعرية للفنان "دلدار" يقول عنها:

«كانت أول تجربة نشرتها في عام 2003م، تحكي عن رؤية دلدار الصبي للحياة، أصف في مطلعها مدينة "الحسكة"، بكلمات تقول: "الحسكة مصابة باليرقان وفقر الدم، من أيام جدي الخامس عشر، هي ليست مدينة وبالتأكيد هي ليست قرية"».

«أما المجموعة الثانية فكانت بعنوان "امرأة بمظلة وشاعر بقبعة" وهي تتغزل بأكملها بامرأة، ومهداة إلى المرأة التي أحيتني وأنا رميم».

ويختم "دلدار: «اشتملت أكثر من أنطولوجيا سورية وعربية على قصائدي، فأنا أكتب الشعر الحر وأعتمد على الموسيقى الداخلية في الكتابة، وأكثر ما أكتبه يصب في الغزل، ولي قراءات في الكتابة الأدبية والفنية، وطموحي لا نهاية له، لأن تحديد الطموح يستوجب الوصول إليه، والوصول إلى الطموح يعني موت صاحبه، لذلك طموحي ليس له حدود».